الكثير، وأعزك، وشرفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم، فصل له، واشكره على إنعامه عليك، وانحر البدن ضحايا متقربا إليه. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} يعني: إن عدوك ومبغضك هو الأبتر الأذل المنقطع دابره. قال المفسرون: لما مات القاسم بن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال العاص بن وائل السهمي: دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له، فإذا هلك؛ انقطع ذكره. فأنزل الله-عز وجل-هذه السورة، وأخبر الله تعالى: أن هذا الكافر هو الأبتر، وإن كان له أولاد يفخر بهم، ويعتز بكثرتهم؛ لأنه مبتور من رحمة الله، ولأنه لا يذكر إلا باللعنة، بخلاف الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ ذكره خالد أبد الدهر، مرفوع على المآذن، والمنابر، مقرون بذكر الله تعالى:(أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله) والمؤمنون من زمانه إلى يوم القيامة أتباعه، فهو كالوالد لهم، وهو أولى بهم من أنفسهم. قال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٦]: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}. وانظر سورة (القدر).
هذا؛ وفي المصباح المنير: شنئه كسمعه، ومنعه؛ أي: هو من بابين: الرابع، والثالث، والمصدر شنأ وشنآنا بفتح النون وسكونها: أبغضه، واسم الفاعل: شانئ، وشانئة، في المذكر، والمؤنث، خذ قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٩]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا}.
وفي المختار: بتره: قطعه قبل الإتمام، وبابه: نصر، والانبتار: الانقطاع، والأبتر:
المقطوع الذنب، وبابه: طرب، والأبتر أيضا: الذي لا عقب له، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر. انتهى. هذا؛ وقد روى الخطيب في كتاب الجامع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أبتر، وفي رواية:(فهو أقطع) وفي أخرى: (فهو أجذم)». والمعنى: قليل البركة، أو معدومها، وقد سميت الخطبة التي ألقاها زياد بن سمية في العراق بالبتراء؛ لأنه لم يبدأها بذكر الله تعالى.
الإعراب:{إِنّا:}(إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ:} فعل ماض، وفاعله، ومفعولاه، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها. {فَصَلِّ:} الفاء: حرف عطف على رأي:
من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير:
وإذا تكرمنا عليك بما ذكر؛ فصل. (صل): فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا». {لِرَبِّكَ:} متعلقان بما قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. (انحر): معطوف على ما قبله.