ولا يخطر ببالك، ويذهب وهمك إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض، وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مسامتة هذه الأقطار، أو في المواضع التي تكون بدلا من هذه المواضع في هذه الأرض، وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد. قال تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} الآية رقم [٤٨] من سورة (إبراهيم) -على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-تظهر تلك لفصل القضاء.
هذا؛ واختلف في الميزان، والحوض: أيهما قبل الآخر؟ فقيل: الميزان قبل. وقيل:
الحوض. قال أبو الحسن القابسي: والصحيح: أن الحوض قبل. قلت: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا، فيقدم قبل الصراط، والميزان. انتهى. والله أعلم نقلا من هنا، وهناك. ولا بد من القول: إن الميزان، والصراط، والحوض، والجنة، والنار، وغير ذلك إنما هي من الأمور المغيبة التي يجب الإيمان بها، وهي من صميم العقيدة الإسلامية. هذا؛ والتعبير بالماضي عن المستقبل يفيد تحقق الوقوع.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ:} لقد اختلف في ذلك على أقوال كثيرة، وأذكر من ذلك أقوالا ثلاثة:
الأول: قال قتادة، وعطاء وعكرمة: فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك؛ أي: اذبح أضحيتك. وقال أنس-رضي الله عنه-: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ينحر، ثم يصلي، فأمر أن يصلي، ثم ينحر. وقال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-أيضا: صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى. وعن البراء بن عازب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي، ثم نرجع، فننحر. من فعل هذا؛ فقد أصاب سنّتنا. وفي رواية: نسكنا. ومن ذبح قبل؛ فإنما هو لحم قدّمه لأهله ليس من النسك في شيء».
أخرجه البخاري. وهذا يفيد: أن السورة مدنية.
الثاني: عن علي-رضي الله عنه-قال: لما نزلت: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لجبريل عليه السّلام: «ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها؟». قال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة.
الثالث: قال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: يقول الله عز وجل: إن ناسا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، وقد أعطيناك الكوثر، فلا تكن صلاتك، ولا نحرك إلا لله. وقال ابن العربي: والذي عندي: أنه أراد: اعبد ربك، وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر. والمعتمد القول الأول من الثلاثة. والله أعلم.
والمعنى لما تقدم، يقول الله عز وجل: قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدارين، وخصصتك بما لم أخص به أحدا غيرك، فاعبد ربك؛ الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل، والخير