وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه؛ قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره؛ ساقه إلى النّار». رواه ابن حبان. ومعنى ماحل: خصم مجادل. ومعنى (جعله أمامه): عمل به، واهتدى بهديه، ومعنى (جعله خلف ظهره): لم يعمل به. والأحاديث في ذلك كثيرة، ومسطورة في كتاب:
«الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، وغيره.
وهذا ما يلزم قارئ القرآن، وحامله من تعظيم القرآن، وحرمته، كما في القرطبي.
قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول: فمن حرمة القرآن: ألا يمسه القارئ إلا طاهرا. ومن حرمته أن يقرأه؛ وهو على طهارة. وأن يستاك، ويتخلل، فيطيب فاه؛ إذ هو طريقه. قال يزيد بن أبي مالك: إن أفواهكم طرق من طرق القرآن، فطهروها، ونطفوها ما استطعتم! ومن حرمته: أن يلبس كما يلبس للدخول على الأمير؛ لأنه مناج، وأن يستقبل القبلة لقراءته. وكان أبو العالية إذا قرأ اعتمّ، ولبس، وارتدى، واستقبل القبلة. وأن يتمضمض كلّما تنخع.
روى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه كان بين يديه تور إذا تنخع مضمض، ثم أخذ في الذكر. وإذا تثاءب يمسك عن القراءة؛ لأنه إذا قرأ، فهو مخاطب ربه، ومناج له، والتثاؤب من الشيطان. قال مجاهد-رحمه الله تعالى-: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القرآن تعظيما؛ حتى يذهب تثاؤبك. وأن يستعيذ بالله عند ابتدائه للقراءة من الشيطان الرجيم، ويقرأبسم الله الرحمن الرحيم؛ إن كان ابتداء قراءته من أول السورة، أو من حيث بلغ، وإذا أخذ في القراءة لم يقطعها ساعة فساعة بكلام الآدميين من غير ضرورة، وأن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلامه، فيخلط بجوابه؛ لأنه إذا فعل ذلك زال عنه سلطان الاستعاذة الذي استعاذ في البدء.
ومن حرمته: أن يقرأه على تؤدة، وترسل، وترتيل، وأن يستعمل فيه ذهنه، وفهمه؛ حتى يعقل ما يخاطب به، وأن يقف على آية الوعد، فيرغب إلى الله تعالى، ويسأله من فضله، وأن يقف على آية الوعيد، فيستجير بالله منه، وأن يقف على أمثاله، فيتمثلها، وأن يلتمس غرائبه، وأن يؤدي لكل حرف حقه من الأداء؛ حتى يبرز الكلام باللفظ تماما، فإن له بكل حرف عشر حسنات، ومن حرمته: أنه إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويشهد على ذلك: أنه حق، فيقول: صدقت ربنا، وبلغ رسولك، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط! ثم يدعو بدعوات.
ومن حرمته: أنه إذا قرأه لا يلتقط الآي من كل سورة، فيقرأ، فقد روي لنا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مر ببلال-رضي الله عنه-، وهو يقرأ من كل سورة شيئا، فأمره أن يقرأ على السور، أو كما