للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال، وإذا وضع المصحف لا يتركه منشورا، ولا يضع فوقه شيئا من الكتب، وغيرها؛ حتى يكون أبدا عاليا فوق كل شيء، وأن يضعه في حجره إذا قرأه، أو على شيء بين يديه، ولا يضعه على الأرض، وألا يمحوه من اللوح بالبصاق، ولكن يغسله بالماء، ويتوقى النجاسات، وكان السلف الصالح يستشفي بغسالته. وألا يتخذ منه شيئا وقاية لكتاب، وألا يخلي يوما من أيامه من النظر في المصحف مرة. وكان أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه-يقول: إني لأستحي ألا أنظر كل يوم في عهد ربي مرة.

ومن حرمته أن يعطي عينيه حظهما من المصحف، فإن العين تؤدي إلى النفس، وبين النفس والصدر حجاب، والقرآن في الصدر، فإذا قرأه عن ظهر قلب، فإنما يسمع أذنه فتؤدي إلى النفس، فإذا نظر في الخط كانت العين، والأذن قد اشتركا في الآداء، وذلك أوفر للأداء، فقد روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطوا أعينكم حظّها من العبادة». قالوا: يا رسول الله! وما حظّها من العبادة؟! قال: «النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه». وروى مكحول عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل عبادة أمّتي قراءة القرآن نظرا».

ومن حرمته: ألاّ يتأوله عند ما يعرض له شيء من أمر الدنيا، مثل: إذا جاءك أحد، فلا تقل: (جئت على قدر يا موسى) ومثل قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ}. هذا عند حضور الطعام، وأشباه ذلك، وألا يتلى منكوسا كفعل معلمي الصبيان، وألا يقعر في قراءته، وألا يجهر بعض على بعض في القراءة، فيفسد عليه؛ حتى يبغض إليه ما يسمع كهيئة المغالبة.

ومن حرمته: ألاّ يقرأ في الأسواق، وفي مواطن اللغط، واللغو، ومجمع السفهاء، ومن ذلك ما يفعل في أيامنا هذه في المآتم حيث توضع المسجلات في باب الدار، والناس يجلسون في بيت المتوفى، وهم مشغولون بشرب الشاي، والقهوة، والدخان، والقيل، والقال، والهذر، والقر، وألا يتوسد المصحف، ولا يعتمد عليه، ولا يرمي به إلى صاحبه، إذا أراد أن يناوله، وألاّ يحلّى المصحف، أو يكتب بالذهب، فتخلط به زينة الدنيا. فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا زخرفتم مساجدكم، وحلّيتم مصاحفكم، فالدّبار عليكم». وألا يكتب على الأرض، ولا على حائط، كما يفعل بهذه المساجد المحدثة، وأن يفتحه كلما ختامه حتى لا يكون في هيئة المهجور، ولذلك كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا ختم يقرأ من أول القرآن قدر خمس آيات، وروى ابن عباس-رضي الله عنهما-: قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: «عليك بالحال المرتحل». قال: وما الحال المرتحل؟! قال: «صاحب القرآن يضرب من أوله حتى يبلغ آخره، ثم يضرب من أوله، كلما حلّ؛ ارتحل».

<<  <  ج: ص:  >  >>