للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله نداؤه لمريم الآتي. وأنث الفعل؛ لأن لفظ: {الْمَلائِكَةُ} جمع تكسير، وما كان مثله، يجوز تذكير الفعل، وتأنيثه، تقول: جاء الرّجال، وجاءت الرجال، وذكّر في سورة (الرعد) في قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ} لذا. لا يستدل بهذه الآية على تأنيث الملائكة. {وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ:} من المعلوم: أنّ كيفية الصلاة تختلف في الديانات السّابقة عن كيفية صلاتنا. والمحراب موضع الصلاة، كما رأيته فيما سبق. {أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى:} سمّاه الله بذلك؛ لأنه أحياه بالإيمان، والعلم، والنبوّة. وقال بعضهم: سمي بذلك؛ لأن الله تعالى أحيا به النّاس بالهدى. وقيل: لأنّه أحيا به رحم أمّه. وقيل: هو أعجميّ لا اشتقاق له.

{مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ:} المراد به عيسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام. وسمّي (كلمة) لأن الله تعالى. قال له: كن، فكان من غير أب، وكان يحيى أول من آمن بعيسى، وصدّقه، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث سنين، ويقال بستة أشهر، وكانا ابني خالة، كما قدّمت لك، فلمّا سمع زكريا شهادته؛ قام إلى عيسى فضمّه إليه، وهو في خرقة.

{وَسَيِّداً:} يسود قومه، ويفوقهم في العلم، والتقوى، والصلاح. روي: أنه ما همّ بمعصية قطّ، وقال الزّجاج: السّيد: الذي يفوق أقرانه في كلّ شيء من الخير، وقال الكسائيّ-رحمه الله تعالى-السيد من المعز: المسنّ. وفي الحديث: «ثنيّ من الضّأن خير من السّيّد من المعز». قال الشاعر في ممدوحه: [الطويل]

سواء عليه شاة عام دنت له... ليذبحها للضّيف أم شاة سيّد

{وَحَصُوراً:} أصله من الحصر، وهو الحبس. يقال: حصرني، وأحصرني: إذا حبسني. قال ابن ميادة: [الطويل]

وما هجر ليلى أن تكون تباعدت... عليك ولا أن أحصرتك شغول

والحصور: الذي لا يأتي النّساء، كأنّه محجم عنهنّ، ف‍ (يحيى) عليه السّلام حصور، فعول بمعنى فاعل: لا يأتي النساء، ولا يقربهنّ مع القدرة على الجماع حصرا لنفسه عن الشّهوات، ولعلّ هذا كان شرعه، فأما شرعنا؛ فالنكاح مفضّل على العزوبة. والحصور: البخيل، قال الأخطل: [البسيط]

وشارب مربح بالكأس نادمني... لا بالحصور ولا فيها بسوّار

والحصور: الملك؛ لأنّه كالمحبوس من وراء حجاب. قال لسيد-رضي الله عنه-: [الكامل]

وقماقم غلب الرّجال كأنّهم... جنّ لدى باب الحصور قيام

{وَنَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ:} هذا؛ والصّلاح درجة عالية، ومكانة رفيعة، ولذلك سألها يوسف الصدّيق في الآية رقم [١٠١] من السورة المسماة باسمه. وسألها إبراهيم في الآية رقم [٨٣] من

<<  <  ج: ص:  >  >>