الله أن يزيل جبلا من مكانه؛ لأزاله، فلا تباهلوا؛ فتهلكوا! فأذعنوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبذلوا الجزية ألفي حلة حمراء، وثلاثين درعا من حديد كلّ عام، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«والّذي نفسي بيده لو باهلوا؛ لمسخوا قردة، وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله نجران، وأهله؛ حتّى الطّير على الشّجر!» وهو دليل على نبوّته، وفضل من أتى بهم من أهل بيته. انتهى بيضاوي، وغيره. وفي الآية رقم [٩٥] من سورة (البقرة) ما يشبه هذا مع اليهود.
روي: أنهم قالوا للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا، فإنكم عندنا رضا! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ائتوني العشيّة؛ أبعث معكم القويّ الأمين». فكان عمر-رضي الله عنه-يقول: ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذ؛ رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجّرا، فلما صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر؛ سلم، ثم نظر عن يمينه، وشماله. فجعلت أتطاول له؛ ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره؛ حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه، فقال:«اخرج معهم، فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه». قال عمر:
فذهب بها أبو عبيدة-رضي الله عنه-.
تنبيه: وإنما خص الله الأبناء، والنساء بالذّكر؛ لأنهم أعزّ الأهل، وإنما قدمهم في الذكر على النفس لينبه بذلك على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، ولأنّ الرّجل يخاطر بنفسه في سبيلهم، ويحارب دونهم. وينبغي أن تعلم: أن وفودهم على النبي صلّى الله عليه وسلّم كان سنة تسع من الهجرة؛ لأنّ الزّهري قال: كان أهل نجران أول من أدّى الجزية إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وآية الجزية الموجودة في سورة (التوبة) رقم [٣٠] إنما نزلت بعد الفتح.
هذا؛ و (نساء) اسم جمع لا واحد له من لفظه؛ لأنّ مفرده: امرأة، وجمعها في القلّة:
نسوة، وفي الكثرة: نساء، وتجمع أيضا على: نسوان، ونسون، ونسنين. وهذه الجموع كلها مأخوذة من النسيان؛ الذي شرحته مرارا، فهي مطبوعة عليه، إما إهمالا، وإما كذبا، ويقال لكل هذه الجموع: اسم جمع لا واحد له من لفظه، أمّا المرأة؛ فهي مأخوذة من المرء، وهو الرجل، فلذا سميت بذلك، والأم حواء-عليها ألف صلاة، وألف سلام-سميت بذلك؛ لأنها مأخوذة من: حي، وهو: آدم، عليه السّلام.
هذا؛ و (أبناء) أصله: أبناو، وهو جمع: ابن، وأصله: بنو. و (نساء) أصله: نساي.
وأيضا: آباء أصله: أباو؛ لأنه جمع: أب، وأصله: أبو، فقل في الثلاثة: تحركت الواو والياء، وانفتح ما قبلهما، فقلبتا ألفا، ولم يعتدّ بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان، الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة.
هذا؛ ولقد سئلت عمّا يلي: همزة المصدر: استغفار، ونحوه همزة وصل، فإذا جمعت:
استغفارات، ونحوه تبقى الهمزة همزة وصل، وهمزة ابن همزة وصل أيضا، فلما جمع أبناء صارت الهمزة همزة قطع، فما الفرق بينهما؟ والجواب: أنّ همزة المصدر أصلية، وأما همزة