للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وأما (النّفس) فإنها تجمع في القلة: أنفس، وفي الكثرة: نفوس. والنفس تؤنث باعتبار الروح، وتذكّر باعتبار الشّخص؛ أي: فإنها تطلق على الذات أيضا-كما في هذه الآية- سواء أكان ذكرا، أم أنثى؟ فعلى الأول قيل: هي جسم لطيف مشتبك بالجسم اشتباك الماء بالعود الأخضر الرطب، فتكون سارية في جميع البدن، قال الجنيد-رحمه الله تعالى-: الروح شيء استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا يجوز البحث عنه بأكثر من أنه موجود. قال تعالى في سورة (الإسراء): {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي..}. إلخ.

وقال بعضهم: إنّ هناك لطيفة ربانية، لا يعلمها إلا الله تعالى، فمن حيث تنكّرها تسمى عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمّى روحا، ومن حيث شهوتها تسمى نفسا. فالثلاثة متّحدة بالذّات، مختلفة بالاعتبار. وهذا ما تدل عليه الآثار الصّحاح. هذا؛ ومن الدليل على أن النّفس هي الروح قوله تعالى في سورة (الزّمر) رقم [٤٢]: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها} يريد الأرواح، وذلك بيّن في قول بلال-رضي الله عنه-للنبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن شهاب: «أخذ بنفسي يا رسول الله الّذي أخذ بنفسك». وهذا كان في الوادي الذي ناموا فيه عن صلاة الصبح؛ حتى طلعت الشمس، وهم قافلون من غزو تبوك. والنفس أيضا: الدم، يقال: سالت نفسه. قال الشاعر: [الطويل]

تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا... وليست على غير الظّبات تسيل

وقال إبراهيم النّخعي-رحمه الله تعالى، وهو المقرر في الفقه-: «ما ليس له نفس سائلة؛ فإنّه لا ينجس الماء إذا مات فيه». والنفس أيضا، الجسد، قال الشاعر: [الكامل]

نبّئت أنّ بني سحيم أدخلوا... أبياتهم تامور نفس المنذر

والتامور أيضا: الدم. هذا؛ وقد ذكر القرآن الكريم: أنّ للنفس خمس مراتب: الأمّارة بالسوء، واللّوامة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية. ويزاد: الملهمة، والكاملة. فالأمّارة: هي التي تأمر صاحبها بالسوء، ولا تأمر بالخير إلا نادرا، وهي مقهورة، ومحكومة للشّهوات. وإن سكنت لأداء الواجبات الإلهية، وأذعنت لاتباع الحق، لكن بقي فيها للشهوات سميت: لوامة. وإن زال عنها هذا الميل، وقدرت على معارضة الشهوات، وزاد ميلها إلى عالم القدس، وتلقّت الإلهامات؛ سميت:

ملهمة. فإن سكن اضطرابها، ولم يبق للنفس الشّهوانية حكم أصلا؛ سميت مطمئنة، فإن ترقّت من هذا، وأسقطت المقامات من عينها، وفنيت من جميع مراداتها؛ سميت راضية. فإن زاد هذا الحال عليها؛ صارت مرضيّة عند الحق، وعند الخلق. فإن أمرت بالرجوع إلى العباد لإرشادهم، وتكميلهم؛ سمّيت: كاملة. فالنفس لها سبع طبقات، ولها سبع درجات، كما ذكرت، وقدّمت.

وأخيرا خذ ما ذكره القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفي الخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «ما تقولون في صاحب لكم، إن أكرمتموه، وأطعتموه، وكسوتموه؛ أفضى بكم إلى شرّ غاية. وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>