للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب الذين أرسل إليهم النّبيّين، ويدلّ عليه قوله: {ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} وإنّما كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين، وإنما أطلق هذا اللفظ عليهم؛ لأنّهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمّد؛ لأنا أهل كتاب، والنّبيّون منا.

وقيل: أخذ الله الميثاق على النبيّين، وأممهم جميعا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاكتفى بذكر الأنبياء؛ لأنّ العهد مع المتبوع عهد مع التابع. وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-. قال عليّ كرّم الله وجهه: ما بعث الله نبيّا؛ آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وأخذ هو العهد على قومه ليؤمننّ به، ولئن بعث؛ وهم أحياء؛ لينصرنّه. انتهى خازن. وقال كثير من المفسّرين: إنّ الأنبياء كانوا يأخذون العهد، والميثاق على أممهم بأنّه إذا بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يؤمنوا به، وينصروه.

ومعنى {مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ:} أنّ الله تعالى وصفه في كتب الأنبياء المتقدّمة، وشرح فيها أحواله، فإذا جاءت صفاته، وأحواله مطابقة لما في كتبهم المنزلة؛ فقد صار مصدّقا لها، فيجب الإيمان به، والانقياد له. ومعنى {لِما مَعَكُمْ} أي: من الشرائع، والكتاب، والحكمة.

هذا؛ وأصل الفعل: (تؤمنون) فلمّا اتّصلت به نون التوكيد؛ صار لتؤمنوننّ، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فالتقى ساكنان: واو الجماعة، والنون الأولى من المشدّدة، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة على النّون قبلها؛ لتدل عليها. وإعلال ما بعده مثله.

{قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي:} قال البغويّ-رحمه الله تعالى-: قال الله-عزّ وجل -للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم-والأنبياء فيهم كالمصابيح-وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أأقررتم؟. وقال الفخر الرازي: يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما قرّر في عقولهم من الدلائل الدّالة على أنّ الانقياد لأمر الله واجب، فإذا جاء رسول، وظهرت المعجزات الدّالة على صدقه، فإذا أخبرهم بعد ذلك: أنّ الله أمر الخلق بالإيمان به؛ عرفوا عند ذلك وجوبه بتقرير هذا الدليل في عقولهم. فهذا هو المراد من الميثاق. وهذا إن فسرنا: أن أخذ الميثاق كان من النبيّين، وكان معناه: قال الله تعالى للنبيين: أأقررتم بالإيمان به، والنصر له؟! وإن فسّرنا بأنّ أخذ الميثاق كان على الأمم؛ كان معناه: قال كل نبي لأمته: أأقررتم؟. وذلك؛ لأنه تعالى أضاف أخذ الميثاق إلى نفسه. وإن كان النبيون أخذوه على الأمم؛ فذلك طلب هذا الإقرار، وأضافه إلى نفسه؛ وإن وقع من الأنبياء. هذا؛ والأصر-بفتح الهمزة، وكسرها لغتان-هو العهد، وهو المراد هنا، وهو في اللغة: الثّقل، وسمي العهد إصرا؛ لأنه منع، وتشديد. وانظر الآية الأخيرة من سورة (البقرة).

{قالُوا أَقْرَرْنا} أي: قال النبيّون: أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك؛ الذين ترسلهم مصدّقين لما معنا. {قالَ فَاشْهَدُوا} أي: قال الله-عز وجل-للنبيّين: فاشهدوا على أنفسكم، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>