للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الرّكن، والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنّة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما؛ لأضاءتا ما بين المشرق، والمغرب». أخرجه الترمذيّ. وقال: هذا يروى عن ابن عمر موقوفا.

وأصل مقام: مقوم، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علّة متحرك، والحرف الصّحيح أولى بالحركة من حرف العلّة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها بعد سلب سكونها. ثمّ قل: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا.

{وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} على نفسه، وماله، ودمه من أن يهاج فيه، وكان العرب يقتل بعضهم بعضا، ويغير بعضهم على بعض، وكان من دخل الحرم؛ أمن من القتل، والغارة. وهو المراد من حكم الآية على قول أكثر المفسرين. قال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٦٧]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟} وقيل: هو خبر بمعنى الأمر: أي: ومن دخله فأمّنوه. وهو قول ابن عبّاس، رضي الله عنهما، فيكون خاصّا بالمسجد الحرام، حتى ذهب أبو حنيفة-رحمه الله-إلى أنّ من وجب عليه القتل قصاصا كان، أو حدّا، فالتجأ إلى الحرم؛ فإنه لا يستوفى منه القصاص، أو الحد فيه، لكنّه لا يطعم، ولا يبايع، ولا يشارى، ويكلّم، ويضيّق عليه؛ حتى يخرج منه، فيقام عليه الحدّ خارج المسجد. انتهى خازن، وقرطبي. وفنّد رأيه القرطبي.

وقال الشافعي-رحمه الله تعالى-: إذا وجب عليه القصاص خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم؛ استوفي منه في الحرم. وأجمعوا على: أنّه لو قتل في الحرم، أو سرق، أو زنى؛ فإنه يستوفى منه الحدّ عقوبة له. وقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة. ولا تنس: أن إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قد دعا الله أن يجعل هذا البلد آمنا في سورة (البقرة): {رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً}.

وفي بيان هذا الأمن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة: «إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا يصاد صيده، ولا تلتقط لقطته إلاّ من عرّفها، ولا يختلى خلاه». فقال العبّاس-رضي الله عنه-: يا رسول الله! إلا الإذخر، فإنّه لقينهم، ولبيوتهم. فقال: «إلاّ الإذخر». أخرجه الشّيخان عن ابن عباس-رضي الله عنهما-. والقين: الحداد. ويختلى خلاه: يقطع النبات؛ الّذي ينبت بنفسه، أمّا ما يزرعه الآدميّون؛ فلا يمنع من قطعه، وخلعه.

تنبيه: -ذكر الله سبحانه آيتين من الآيات الكثيرة في الآية الكريمة، وطوى غيرهما، فلم يذكره؛ ليدلّ على تكاثر هذه الآيات. ونحوه في الطيّ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، الطّيب، والنّساء، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة» ف‍ «قرة عيني» ليس من الثلاث، بل هو ابتداء كلام؛

<<  <  ج: ص:  >  >>