للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّها ليست من الدّنيا، والثالث مطويّ، وكأنّه صلّى الله عليه وسلّم ترك ذكر الثالث تنبيها على أنّه لم يكن من شأنه أن يذكر شيئا من الدّنيا، فذكر شيئا من الدّين. ونحوه في طيّ الذكر قول جرير: [البسيط]

كانت حنيفة أثلاثا فثلثهمو... من العبيد، وثلث من مواليها

فلم يذكر الثّلث الثالث.

{وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ..}. إلخ أي: يجب على النّاس أن يحج البيت منهم المستطيع.

وقد فسّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم الاستطاعة بوجود الزّاد، والرّاحلة. فقد روى الترمذيّ-رحمه الله تعالى-عن الحارث، عن عليّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ملك زادا، أو راحلة تبلّغه إلى بيت الله، ولم يحجّ؛ فلا عليه أن يموت يهوديّا، أو نصرانيّا». وذلك: أنّ الله يقول في كتابه: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. وروي نحوه عن أبي أمامة، وعمر، رضي الله عنهما.

هذا؛ ويشترط لوجوب الحج أن يكون الطريق آمنا، فإن كان فيه خوف من عدوّ مسلم، أو كافر، أو رصديّ يطلب الخفارة؛ لا يلزمه، وكذا إن احتاج لدفع رشوة، كما في هذه الأيّام.

وعن عبد الله بن جبير-رضي الله عنهما-عن عليّ-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال في خطبته: «يا أيّها النّاس إنّ الله فرض الحجّ على من استطاع إليه سبيلا، ومن لم يفعل؛ فليمت على أيّ حال شاء، إن شاء يهوديّا، أو نصرانيّا، أو مجوسيّا، إلاّ أن يكون به عذر من مرض، أو سلطان جائر، لا نصيب له في شفاعتي، ولا ورود حوضي». وقد كان الحجّ عند العرب معلما عندهم؛ مع كونهم كانوا يعبدون الحجارة، والأوثان، وكان لهم في أيام الحجّ أسواق معلومة، ينتفعون فيها.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيّها النّاس! قد فرض الله عليكم الحجّ، فحجّوا». فقال رجل: كلّ عام يا رسول الله؟! فسكت؛ حتى قالها الرّجل ثلاثا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت: نعم؛ لوجبت، ولما استطعتم». ثم قال: «ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عنه؛ فدعوه». متّفق عليه.

بعد هذا في الاستطاعة وجهان: أن يكون مستطيعا ببدنه، واجدا من ماله ما يبلغه الحج.

والثاني: أن يكون معضوبا في بدنه، لا يثبت على مركبه، وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بأجرة، أو بغير أجرة بعد هذا: فالحج على التّراخي ما لم يضيق الوقت، وضيق الوقت هو: أن يناهز القادر على مئونة الحجّ الستّين من عمره؛ لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعمار أمّتي ما بين السّتّين إلى السّبعين، وقلّ من يتجاوزها». فكأنّه في هذا العشر قد يتضايق عليه الخطاب، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معترك أمتي من الستّين إلى السّبعين، وقلّ من يتجاوز ذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>