الإثم عن الباقين. وقيل: إنّ معنى (من) للتبعيض، وذلك؛ لأنّ في الأمّة من لا يقدر على الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر لعجز، أو ضعف. وقيل: إنّ ذلك يختصّ بالعلماء، وولاة الأمور، فعلى هذا يكون المعنى: ليكن بعضكم آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وخذ ما يلي:
فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان، أو أمير جائر». رواه أبو داود، والترمذيّ. وعن جابر-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره، ونهاه، فقتله». أخرجه الترمذيّ، والحاكم. وعن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيّروا عليه، فلا يغيروا؛ إلاّ أصابهم الله منه بعقاب من قبل أن يموتوا». رواه أبو داود، وابن ماجة. وعن ابن عباس-رضي الله عنهم-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر». رواه أحمد، والترمذيّ، وابن حبّان، والأحاديث في ذلك كثيرة.
بعد هذا: ولكن يجب على من يأمر، وينهى أن يكون مؤتمرا منتهيا بنفسه، وإلا كان أمره، ونهيه وبالا عليه. وخذا ما يلي: عن أسامة بن زيد-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالرّجل يوم القيامة، فيلقى في النّار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرّحى، فيجتمع إليه أهل النّار، فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف، ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه». رواه البخاري، ومسلم. وعن أبي برزة-رضي الله عنه-قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«مثل الّذي يعلّم النّاس الخير، وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء للنّاس، وتحرق نفسها». والأحاديث في ذلك كثيرة، ورحم الله أبا الأسود الدؤلي؛ إذ يقول-وهو الشاهد رقم [٦٧٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [١٤٢] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الكامل]
لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا فعلت عظيم
ويروى من قول سيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم:«كيف بكم إذا طغى نساؤكم، وفجر شبابكم، وتركتم جهادكم؟!». قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:«نعم والّذي نفسي بيده، وأشدّ منه سيكون! كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر؟!» قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:«نعم والّذي نفسي بيده، وأشدّ منه سيكون! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا، والمنكر معروفا؟!». قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:«نعم والّذي نفسي بيده، وأشدّ منه سيكون! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟!» قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:«والذي نفسي بيده، وأشدّ منه سيكون! يقول الحقّ عزّ وجلّ: بي حلفت لأفتننّهم فتنة تدع الحليم حيران». وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢١] والآية رقم [٧٨] من سورة (المائدة).