للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذا انظر شرح الخير في الآية رقم [٢٧١] من سورة (البقرة). و {أُمَّةٌ}. المراد بها هنا:

جماعة، وتكون واحدا إذا كان يقتدى به، كقوله تعالى في حق إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً..}. إلخ، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في زيد بن عمرو بن نفيل: «يبعث أمّة وحده»؛ لأنه لم يشرك في دينه غيره. والأمّة:

الطريقة، والملّة، والدين، كقوله تعالى حكاية عن قول المشركين: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ:}

ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً}. وكلّ جنس من الحيوان أمّة، كقوله تعالى في سورة (الأنعام): {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}. ويستدل بهذه الآية من يقول بتناسخ الأرواح. والأمّة: الحين، والوقت، كقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد وقت وحين، والأمة: الشجّة التي تبلغ الدّماغ. يقال: رجل مأموم. والأمة: أيضا القامة، يقال:

فلان حسن الأمة؛ أي: حسن القامة. قال الشاعر: [المتقارب]

وإنّ معاوية الأكرمي‍... ن حسان الوجوه طوال الأمم

هذا؛ والمعروف: ما استحسنه الشرع، والعقل، والفطرة السليمة. والمنكر: ما استقبحه الشرع، والعقل، والفطرة السّليمة. (أولئك): الإشارة إلى الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وهو جمع: «ذلك» وقد يجمع على: ألالك، وأنشد ابن السكيت: [الطويل]

ألالك قومي لم يكونوا أشابة... وهل يعظ الضّلّيل إلاّ ألالكا؟

وأولئك: لجماعة العقلاء، وربما جاء لغير العقلاء، ومنه قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٣٦]: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً} وقال جرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق-وهو الشاهد رقم [٨٠] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الكامل]

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى... والعيش بعد أولئك الأقوام

{الْمُفْلِحُونَ:} الفائزون برضا الله، الناجون من غضبه، وعقابه، فهو جمع اسم فاعل من أفلح الرجل: فاز ببغيته، ومراده، وأصله: مؤفلح، فاستثقلت الفتحة على الهمزة فحذفت، فصار: موفلح، ثم حذفت الواو لالتقائها ساكنة مع الفاء الساكنة، فصار: مفلح. هذا؛ والفلح، والفلاح مشتقان في اللغة من الشق والقطع، ومنه فلاحة الأرضين، أي: شقها للحرث، ولذلك سمي الزّراع فلاّحا، ويقال للذي شقت شفته السفلى، أو العليا: أفلح، والفلاح: البقاء، والدوام، قال الأضبط بن قريع السّعدي في الجاهلية: [المنسرح]

لكلّ همّ من الهموم سعه... والمسي والصّبح لا فلاح معه

يقول: ليس مع كرّ الليل، والنّهار بقاء. وقال آخر: [الطويل]

نحلّ بلادا كلّها حلّ قبلنا... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير

<<  <  ج: ص:  >  >>