للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن». قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: «حبّ الدّنيا، وكراهية الموت». أخرجه أبو داود، وأحمد، وغيرهما.

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلّط الله عليكم ذلاّ، لا ينزعه عنكم حتّى ترجعوا إلى دينكم». أخرجه أبو داود. ومن قول ابن مسعود-رضي الله عنه-: نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، إذا طلبنا العزّة بغيره؛ أذلّنا الله.

{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ} أي: بسبب كفرهم بآيات الله؛ أي: التوراة، أو بالمعجزات؛ الّتي أجراها الله على يد موسى تأييدا لدعوته، وتقوية لحجّته. {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ} مثل: يحيى، وزكريا، وشعيا، وغيرهم، فعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: «كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثمّ يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار» بمعنى: لا يهمهم ذلك، ولا يكترثون به، ولا يحسبون له حسابا. رواه أبو داود الطيالسي. وكلمة: «في اليوم» لا تعني كلّ يوم، ولكن في بعض الأيام، وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبيّ، أو قتل نبيّا، وإمام ضلالة، وممثّل من الممثّلين». أخرجه الإمام أحمد في مسنده. وهذا الحديث قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين طعن أبيّ بن خلف في غزوة أحد، وكان ذلك سببا في موته.

{بِغَيْرِ حَقٍّ:} معلوم: أنّه لا يقتل نبيّ بحقّ، ولكن يقتل بالدّفاع عن الحقّ، فصرح بقوله ذلك للتّشنيع عليهم، فلم يأت نبي قط بشيء يوجب قتله. فإن قيل: كيف جاز أن يخلّى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ قيل: ذلك كرامة لهم، وزيادة في علوّ مقاماتهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين، وليس ذلك خذلانا لهم. قال ابن عبّاس، والحسن-رضي الله عنهم-لم يقتل نبيّ قطّ من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكلّ من أمر بقتال؛ نصر. انتهى، ومعلوم: أن نبينا صلّى الله عليه وسلّم أمر بقتال، فنصر. والحمد لله!

{ذلِكَ بِما عَصَوْا:} الإشارة إلى ما تقدّم من ضرب الذلّة، والمسكنة عليهم، والعصيان:

خلاف الطاعة. {وَكانُوا يَعْتَدُونَ:} يتجاوزون حدود الله، فينتهكونها، ويؤخذ من هذا: أنّ صغار الذنوب يجرّ إلى كبارها، وأنّ صغار الطّاعات يجرّ إلى كبارها أيضا، فاليهود جرّهم ارتكاب معصية الله إلى عظائم الأمور؛ حيث قتلوا الأنبياء، واستحلّوا المحرّمات، وجرّهم ذلك أيضا إلى الكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وتحريف التّوراة، وغير ذلك ممّا ذكره القرآن الكريم عنهم.

الإعراب: {ضُرِبَتْ:} فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث حرف لا محلّ له. {عَلَيْهِمُ:}

جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الذِّلَّةُ:} نائب فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>