للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيهم، وتكريمه، بجعله خليفة، وإسكانه دار الكرامة، وإسجاد الملائكة تعظيما لشأنه، ولا شك: أنّ الإحسان بذلك؛ لأنه من وجوه النّعم الّتي أنعم بها عليهم. انتهى. صفوة التفاسير.

{وَإِذْ قالَ:} «إذ» و «إذا» حرفا توقيت، ف‍ «إذ» للماضي، و «إذا» للمستقبل، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى، وقال المبرّد: إذا جاء «إذ» مع مستقبل، كان معناه ماضيا، نحو قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ} وقوله جلّ ذكره: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ} معناه: إذ مكروا، وإذ قلت، وإذا جاء «إذا» مع الماضي؛ كان معناه مستقبلا، كقوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ،} {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ} وقوله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} معناه: يجيء، ويجب إضافتهما إلى الجمل ك‍ «حيث» في المكان، وبنيتا تشبيها لهما بالموصولات، واستعملتا للتعليل، والمجازاة، ومحلهما النصب أبدا بالظرفية، فإنهما من الظروف الغير متصرفة.

{لِلْمَلائِكَةِ:} جمع: ملك. والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع، ومثله: الصّلادمة، والصّلادم: الخيل الشداد، واحدها: صلدم، وقيل: هي للمبالغة كعلاّمة، ونسابة. وقال أرباب المعاني: خاطب الله الملائكة لا للمشورة، لكن لاستخراج ما فيهم من رؤية الحركات، والعبادة، والتسبيح، والتقديس، ثم ردهم إلى قيمتهم، فقال عز وجل: {اُسْجُدُوا لِآدَمَ}.

هذا؛ والملائكة: أجسام نورانية لطيفة، قادرة على التشكّل، والتمثّل بأيّة صورة أرادوا، لا يأكلون، ولا يشربون، لا يبولون، ولا يتغوطون، لا ينامون، ولا يموتون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لا يتناسلون، ولا يتناكحون، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، لا يوصفون بذكورة، ولا بأنوثة، فمن وصفهم بذكورة فسق، ومن وصفهم بأنوثة كفر، ولهم قدرة خارقة، ولا تحكم عليهم الصّورة، وهم كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، قال تعالى في سورة المدثر الآية رقم [٣١]: {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ} يقومون بأعمال مختلفة، كلّ فيما وكل إليه من أعمال. ورؤساؤهم عشرة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، ورقيب، وعتيد، ومنكر، ونكير، ورضوان خازن الجنة، ومالك خازن النار. ويتشكّلون بأشكال حسنة. ومعنى لا تحكم عليهم الصورة: أنّ الملك إذا تصور بصورة ما، وسدّد إنسان سهما نحوه، أو جني عليه بجناية؛ فلا يناله شيء من الأذى، بخلاف الجنّي إذا تصور بصورة ما؛ فيجري عليه حكم الصورة بلحوق الأذى إليه. وانظر ما ذكرته في سورة (الجنّ) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{خَلِيفَةً:} يخلفني في تنفيذ أحكامي في الأرض. وأفاد كلام ابن عباس، وابن مسعود -رضي الله عنهما-وجميع أهل التأويل: أن المراد آدم، عليه الصلاة والسّلام، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه، وأوامره، لأنه أول رسول إلى الأرض، كما في حديث أبي ذرّ-رضي الله عنه-قال: قلت: يا رسول الله! أنبيّا كان مرسلا؟ قال: «نعم». وقد كان آدم رسولا إلى ولده، وكانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا، في كل بطن ذكر، وأنثى، وتوالدوا حتى كثروا، كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>