للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً} رقم [١] من سورة (النساء).

وأنزل عليه تحريم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وعاش ألف سنة، والله أعلم.

{قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها:} أي بالمعاصي، والمنكرات. {وَيَسْفِكُ الدِّماءَ:} السّفك:

الصّبّ، والإراقة، ولا يستعمل إلا في الدم، قال في المصباح: وسفك الدم: أراقه، وبابه ضرب، والمراد: يقتل، ويستحلّ. وهذا السؤال ليس اعتراضا على الله، وإنما هو على سبيل التعجب، لا على سبيل الإنكار، والاعتراض، فإن قيل: من أين عرفوا: أن هذا الخليفة، وذرّيته يفسدون في الأرض، ويسفكون الدماء؟ فالجواب: إنما عرفوا ذلك بإخبار الله تعالى، أو من جهة اللّوح المحفوظ، أو قاسوا أحد الثقلين، أي: الإنس على الآخر، وهم الجنّ، فإن الله تعالى لما خلق الأرض أسكن فيها الجنّ، وأسكن في السماء الملائكة، فأفسدت الجنّ في الأرض، فبعث إليهم طائفة من الملائكة، فطردتهم إلى جزائر البحار، ورءوس الجبال، وأقاموا مكانهم.

{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي: نقول: سبحان الله، وبحمده، وهي صلاة الخلق، وبهما يرزقون، فعن أبي ذرّ-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته، أو لعباده: سبحان الله وبحمده». رواه الإمام مسلم. والتسبيح لله أينما كان؛ فمعناه تنزيه الله، وتبرئته عن السّوء. روى طلحة بن عبيد الله-رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة-، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تفسير «سبحان الله» فقال: «هو تنزيه الله عزّ وجلّ عن كل سوء». وخذ ما يلي: فعن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال نوح لابنه: إنّي موصيك بوصيّة، وقاصرها؛ لكي لا تنساها، أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، أمّا اللتان أوصيك بهما؛ فيستبشر الله بهما وصالح خلقه، وهما يكثران الولوج على الله، أوصيك: بلا إله إلا الله، فإنّ السموات والأرض لو كانتا حلقة قصمتهما، ولو كانتا في كفّة وزنتهما، وأوصيك: بسبحان الله وبحمده، فإنّهما صلاة الخلق، وبهما يرزق الخلق {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً}. وأمّا اللتان أنهاك عنهما، فيحتجب الله منهما وصالح خلقه: أنهاك عن الشّرك والكبر». رواه النسائي.

{وَنُقَدِّسُ لَكَ} التقديس: التعظيم، والتطهير، والمعنى: نطهرك عن النقائص وعن كل سوء، ونصفك بما يليق بعزك، وجلالك من العلوّ، والعظمة، ونطهّر ذكرك مما نسبه إليك الملحدون. {قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد؛ التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني أجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصدّيقون، والشهداء، والصّالحون، والعبّاد، والزهّاد، والأولياء، والأبرار، والمقرّبون، والعلماء العاملون، والخاشعون، والمحبّون له تبارك وتعالى، المتّبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>