للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين يصافون المنافقين، ويفشون إليهم الأسرار، ويطلعونهم على الأحوال الخفيّة، فنهاهم الله عن ذلك. وحجّة هذا القول الآية التالية، فإنّها من صفات المنافقين. انتهى خازن.

هذا؛ و (البطانة) مصدر يطلق على الواحد، والجمع. وبطانة الرجل: خاصته؛ الذين يعرفون أسراره ثقة بهم، شبّهوا ببطانة الثوب، كما شبهوا في الشّعار في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار شعار، والناس دثار» ومثل (البطانة): {وَلِيجَةً:} المذكورة في سورة (التوبة) رقم [١٦].

قال الشاعر: [الطويل]

أولئك خلصائي نعم وبطانتي... وهم عيبتي من دون كلّ قريب

فقد نهى الله عز وجل المؤمنين في هذه الآية أن يتخذوا من الكفّار، والمنافقين دخلاء، وولجاء، يفاوضونهم في الآراء؛ لأن الإنسان يلوث بهم، وينسب إليهم، قال طرفة بن العبد في معلّقته: [الطويل]

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه... فكلّ قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم... ولا تصحب الأردى فتردى مع الرّدي

وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٨] فإنّه جيد. والحمد لله! وقد انقلبت الأحوال في هذه الأيّام، فاتّخذ المسلمون أحبابا، وأعوانا، وأنصارا من الكافرين، والمنافقين. وخذ ما يلي: فقد روى البخاريّ، والنّسائي عن أبي سعيد الخدريّ-رضي الله عنه-:

أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله من نبيّ، ولا استخلف من خليفة، إلاّ كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ، وتحثّه عليه، والمعصوم من عصمه الله». وقيل لعمر-رضي الله عنه-: إنّ هاهنا غلاما من أهل الحيرة، حافظ كاتب، فلو اتّخذته كاتبا، فقال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين. ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على: أنّ الكافرين لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها استطالة على المسلمين، واطّلاع على دواخل أمورهم؛ التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب. ومعنى {مِنْ دُونِكُمْ:} من سواكم، من غيركم.

قال الفرّاء في قوله تعالى: {لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ} أي: سوى ذلك.

{لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً:} لا يقصّرون فيما فيه الفساد عليكم، ولا يتوانون في إيصال الضّرر إليكم. هذا؛ ويقال: لا آلو جهدا؛ أي: لا أقصّر، قال امرؤ القيس، أمير الشعراء، وحامل لوائهم إلى النار: [الطويل]

وما المرء ما دامت حشاشة نفسه... بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

<<  <  ج: ص:  >  >>