هذا؛ والخبال، والخبل: الفساد، وقد يكون ذلك في الأفعال، والأبدان، والعقول، وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أصيب بدم، أو خبل» أي: جرح يفسد العضو. وأنشد الفرّاء قول الشّاعر: [الكامل]
نظر ابن سعد نظرة ويلا لها... كانت لصحبك والمطيّ خبالا
هذا؛ وأصل: (دون) من الدون، وهو القرب، ومثله: أدنى، قال تعالى في سورة (النساء):
{ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا} ومنه تدوين الكتب؛ لأنّه إدناء، أي: تقريب البعض من البعض، ثم استعير للرّتب، فيقال: زيد دون عمرو، أي: في الشرف، والسيادة، ثمّ اتّسع فيهما؛ أي: «دون» و «أدنى»، فاستعملا في كلّ تجاوز حدّ إلى حد، وتخطّي حكم إلى حكم، قال تعالى في الآية رقم [٢٨] {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: لا يتجاوز وقاية المؤمنين إلى الكافرين، وقال أميّة بن أبي الصّلت: [البسيط]
يا نفس مالك دون الله من واق... وما على حدثان الدّهر من باق
أي: إذا تجاوزت وقاية الله، ولم تناليها؛ لم ينفعك غيره. ويأتي «دون» بمعنى قدّام، قال الأعشى: [الطويل]
تريك القذى من دونها وهي دونه... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق
و «دون» نقيض «فوق» وهو تقصير عن الغاية. ويكون اسم فعل أمر، كقولك: دونك الدّرهم، أي: خذه، ويكون ظرفا، وهو الأصل فيه، والدّون: الحقير الخسيس، قال الشاعر: [المتقارب]
إذا ما علا المرء رام العلاء... ويقنع بالدّون من كان دونا
{وَدُّوا ما عَنِتُّمْ} أي: أحبّوا، وتمنّوا عنتكم، والعنت: المشقّة، والتضييق. قال تعالى في سورة (البقرة): {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ} و {الْعَنَتَ} في قوله تعالى في سورة (النساء) {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} المراد به: الزنى، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} أي: ظهرت العداوة، والتكذيب لكم من أفواههم؛ لأنّهم لا يتمالكون لفرط عداوتهم، وبغضهم، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه. والفعل به اتصلت به تاء التأنيث، فصار بدات، فحذفت الألف لالتقائها مع تاء التأنيث ساكنة. {وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ:} هذا إخبار، وإعلام من العليم الحكيم بأنّهم يبطنون من العداوة، والبغضاء أكثر ممّا ينطقون به.
{قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ:} وضّحنا. {الْآياتِ} أي: الدّالة على وجوب موالاة المؤمنين، والإخلاص في العمل، والدّالة على وجوب معاداة الكافرين، والمنافقين. {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ:} تفهمون ما بيّن لكم، فتتعظون به. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.