للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ:} تقتلونهم قتلا ذريعا. وقيل: معناه: تستأصلونهم بالقتل بأمر الله، وقضائه، وقدره. و (الحسّ): الاستئصال بالقتل، قال جرير: [الوافر]

تحسّهم السّيوف كما تسامى... حريق النّار في الأجم الحصيد

وقال آخر: [الطويل]

حسسناهم بالسّيف حسّا فأصبحت... بقيّتهم قد شرّدوا وتبدّدوا

{حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ} أي: جبنتم، وضعفتم؛ إذ معنى الفشل: الضعف مع الجبن، قال تعالى في الآية رقم [١٢٢]: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} وقال تعالى في سورة (الأنفال): {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا}. {وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ:} اختلفتم. والمراد: الرّماة الذين أقامهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ردءا للجيش، حين قال بعضهم: نلحق المنهزمين من الكفّار. وقال بعضهم:

بل نثبت في مكاننا الّذي أمرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالثبوت فيه. {وَعَصَيْتُمْ} أي: خالفتم أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الثبوت، وكان ثبت عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر يسير دون العشرة ممّن كان معه، فلمّا رأى خالد بن الوليد، وعكرمة ابن أبي جهل خلوّ الجبل من الرّماة؛ حملوا على الرّماة الذين بقوا مع عبد الله بن جبير-رضي الله عنه-فقتلوهم، وانقضّوا على المسلمين من خلفهم، فدهش المسلمون، وتحولت الريح دبورا بعد أن كانت صبا، وانتفضت صفوف المسلمين، واختلطوا، فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا، وما يشعرون من الدّهش، ونادى إبليس: إنّ محمدا قد قتل. فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين. وذكرت لك فيما سبق: أنّ الذي قال: قتلت محمدا هو: عبد الله بن قمئة.

{مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ:} من النّصر، والظفر، والغنيمة يا معشر المسلمين! وذلك حين صرع صاحب لواء المشركين، وولّوا الأدبار. {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا} أي: الغنيمة.

قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: ما شعرنا أنّ أحدا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يريد الدنيا، وعرضها؛ حتى كان يوم أحد، والمراد بهم: من تركوا الجبل، كما رأيت فيما تقدم. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ:} وهم الذين ثبتوا على الجبل مع أميرهم، ولم يخالفوا أمر نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.

{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} يا معشر المسلمين بعد أن استوليتم على المشركين، ردّكم عنهم بالانهزام، والفشل، ودلّ هذا على: أن المعصية مخلوقة لله تعالى. وقالت المعتزلة: المعنى: ثم انصرفتم. فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرّعب من قلوب الكافرين من المسلمين ابتلاء لهم، قال القشيري-رحمه الله تعالى-: هذا لا يغنيهم؛ لأنّ إخراج الرّعب من قلوب الكافرين حتّى يستخفّوا بالمسلمين قبيح عندهم، ولا يجوز أن يقع من الله قبيح، فلا يبقى لقوله تعالى: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} معنى. {لِيَبْتَلِيَكُمْ:} ليمتحنكم، ويختبركم؛ ليميز المؤمن من الكافر، ومن المنافق، ومن يريد الدنيا ممّن يريد الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>