بالنّصر. وينبغي أن تعلم: أنّ النعاس في هذه السّورة لم يعقبه نوم، بخلافه في سورة (الأنفال) في غزوة بدر فقد أعقبه نوم، كما رأيت هناك. هذا؛ والنعاس، والسّنة، والوسن: أوائل النوم، قال أبو الطيب المتنبّي-وهو الشاهد رقم [٩٦٦]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
ابلى الهوى أسفا يوم النّوى بدني... وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
{يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ:} والمعنى: أعقبكم بما نالكم من الخوف، والرّعب أن أمنكم أمنا تنامون معه؛ لأن الخائف لا يكاد ينام، فأمّنهم بعد خوفهم. {وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ:}
المراد بهم: المنافقون، أراد الله عز وجل أن يميز المؤمنين من المنافقين، فأوقع النعاس على المؤمنين؛ حتّى أمنوا، ولم يوقع النعاس على المنافقين، فبقوا في الخوف، والرعب. قال الزبير بن العوام-رضي الله عنه-: لقد رأيتني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين اشتدّ علينا الخوف، أرسل الله تعالى علينا النّوم، والله إني لأسمع قول معتّب بن قشير، والنعاس يغشاني ما أسمعه كالحلم يقول ما قاله الله تعالى عنه: {لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا}.
{يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: يظنون: أنّ الله لا ينصر محمدا، وأصحابه، وأنّ دينه يضمحل، والمعنى: يظنّون غير الظنّ الذي يجب أن يظنّ به من نصر دينه، ورفعة شأنه وعزة في الدنيا، والآخرة، وينصر المؤمنين، ويمكنهم من أعدائهم، ويخذل المشركين أعداءه، وأعداء المؤمنين. {ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ} أي: كظن الجاهلية، الذين يحاولون أن يبطلوا دين الله بشتّى الأساليب، ومختلف المحاولات.
{يَقُولُونَ:} أي: يقول المنافقون. {هَلْ لَنا:} أي: ما لنا. {مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ:} وذلك:
أنّه لمّا شاور النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين في هذه الواقعة، وأشار عليه ألا يخرج من المدينة، فلمّا خالفه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وخرج، وقتل من قتل؛ قيل لابن أبيّ: قد قتل بنو الخزرج، قال: هل لنا من الأمر من شيء؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار، أي: ما لنا أمر يطاع. وقيل: المراد بالأمر: النصر، والظفر، يعني: ما لنا من هذا الذي يعدنا به محمّد من النصر، والظفر من شيء، وإنّما هو لكفار قريش، وأشياعهم، أي: من المشركين.
{قُلْ..}. إلخ: الخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق محمّد صلّى الله عليه وسلّم أي: قل لهؤلاء المنافقين:
إنّ النصر، والظفر، والأمور كلّها بيد الله، يصرّفها كيف يشاء، ويدبّرها كيف أراد، وأحبّ.
{يُخْفُونَ..}. إلخ: يعني: يخفون في أنفسهم من الكفر، والشكّ في وعد الله، عزّ وجل، أو:
يخفون النّدم على خروجهم مع المسلمين من المدينة. وقيل: الذي أخفوه هو قولهم: {لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ..}. إلخ.
{قُلْ:} يا محمد لهؤلاء المنافقين: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ:} أي:
كتب عليهم القتل، وقدّر عليهم. {إِلى مَضاجِعِهِمْ:} إلى مصارعهم؛ الّتي يصرعون فيها وقت