للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَاعْفُ عَنْهُمْ} أي: تجاوز عن زلاّتهم، وما فعلوا يوم أحد من الهزيمة. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: واسأل الله المغفرة لهم؛ حتّى يشفّعك فيهم. وقيل: فاعف ما كان منهم يوم أحد ممّا يختصّ بك، واستغفر لهم فيما يختصّ بحقوق الله، وذلك من إتمام الشفقة عليهم، والرأفة بهم.

{وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أي: في أمر الحرب ونحوه، مما لم ينزل عليك فيه وحي، تطييبا لنفوسهم، وترويحا لقلوبهم، ورفعا لأقدارهم، أو لتقتدي بك أمّتك فيها، جاء من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما تشاور قوم قطّ إلاّ هدوا لأرشد أمورهم». ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد». وقال الحسن البصريّ، والضحّاك: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلّمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمّته من بعده.

ولقد روى البغويّ-رحمه الله تعالى-بسنده عن عائشة-رضي الله عنها-أنّها قالت: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرّجال من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استشار أصحابه في كثير من أمور الدنيا، مما لم ينزل عليه فيها وحي، فقد شاورهم حين خرج إلى بدر، واستشارهم في النزول في مكان في بدر، فأشار عليه الحباب بن المنذر بغير المكان الذي أراد النزول فيه، واستشارهم في أسرى بدر، وفي غزوة الخندق، وفي الخروج إلى أحد كما رأيت فيما سبق، وغير ذلك كثير.

هذا؛ الاستشارة دعامة تقوم عليها أمور الدنيا، والآخرة، قال عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبّر قبل العمل يؤمّنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصّواب بمثل المشاورة. ومن فوائدها: أنه قد يعزم الإنسان على أمر، فيشاور فيه، فيتبين له الصواب في قول غيره، فيعلم بذلك عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. ومنها: أنه إذا لم ينجح أمره؛ علم: أنّ امتناع النجاح محض قدر، فلم يلم نفسه. وقال بعضهم في مدح المشاورة: [الطويل]

وشاور إذا شاورت كلّ مهذّب... لبيب أخي حزم لترشد في الأمر

ولا تك ممّن يستبدّ برأيه... وشاورهم في الأمر حتما بلا نكر

قال العلماء: وصفة المستشار في الأحكام الدينية: أن يكون عالما ديّنا. وفي أمور الدنيا:

أن يكون عاقلا مجرّبا وادّا في المستشير، قال الشاعر: [المتقارب]

إذا كنت في حاجة مرسلا... فأرسل حكيما ولا توصه

وإن باب أمر عليك التوى... فشاور لبيبا ولا تعصه

وأكتفي بما تقدّم هنا. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٨]: من سورة (الشورى) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {فَإِذا عَزَمْتَ} أي: على أمر من الأمور؛ فامض وتوكل على الله، وثق به، ولا تعتمد

<<  <  ج: ص:  >  >>