عن الإضرار في الوصية، فدلّ على: أنّ ذلك من الكبائر، فويل للذين يحرمون بعض الأولاد، ويعطون البعض الآخر، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى؛ حاف في وصيّته، فيختم له بشرّ عمله، فيدخل النّار. وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة، فيعدل في وصيّته، فيختم له بخير عمله، فيدخل النّار». رواه ابن ماجة عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. هذا؛ وذكرت لك في الآية السابقة سبب تقديم الوصية على الدّين.
{وَصِيَّةً مِنَ اللهِ} أي: فريضة من الله. وقيل: عهدا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم. {وَاللهُ عَلِيمٌ} أي: بمن جار، أو عدل في وصيته. {حَلِيمٌ:} لا يعاجل المعتدين بالعقوبة. وهذا وعيد، وتهديد لهم. وانظر الآية رقم [٢٢٥]: من سورة (البقرة). وإنّما كررت الوصية في هذه الآية لاختلاف الموصين، كما هو واضح.
هذا؛ ويقال: رجل كلالة، وامرأة كلالة، لا يثنّى، ولا يجمع؛ لأنّه مصدر كالوكالة، والدّلالة، والسّماحة، والشّجاعة. وأعاد ضمير مفرد في قوله:{وَلَهُ أَخٌ} ولم يقل لهما على عادة العرب إذا ذكرت اسمين، ثمّ أخبرت عنهما، وكانا في الحكم سواء، ربما أضفت إلى أحدهما، وربما إليهما جميعا.
هذا؛ وأصل «أخ» أخو بدليل تثنية أخوين، وأخوان، فحذف منه، وغيّر على غير قياس و «ابن» أصله بني، فحذف منه الياء، وعوض منها الهمزة في أوله، قال الفرّاء-رحمه الله تعالى-: ضمّ أول الأخت؛ لأن المحذوف منها واو. وكسر أول بنت لأن المحذوف منها الياء، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس أيضا.
تنبيه: كانت الوراثة في الجاهلية بالرّجولة، والقوّة، فقد كانوا يورّثون الرجال دون النساء، فأبطل الله عز وجل ذلك، كما رأيت فيما تقدّم رقم [٧]: وكانت الوراثة أيضا في الجاهلية، وبدء الإسلام بالمحالفة، قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} انظر الآية رقم [٣٣]: الآتية، ثمّ صارت بعد المحالفة بالهجرة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا} الآية رقم [٧٢] من سورة (الأنفال)، وهذا معنى التوارث بأخوّة الإسلام، ثم ثبت التّوارث بآيات (النّساء) الّتي الكلام فيها. والحمد لله.
فائدة: المسألة الحماريّة: زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة لأب، وأم. فقال قوم: للزوج النصف، وللأم السّدس وللأخوة لأم الثلث، وسقط الأشقّاء. وبه قال الإمام أحمد، رحمه الله تعالى. روي: أنّ الأخوة الأشقاء قالوا لعمر-رضي الله عنه-: هب أنّ أبانا كان حمارا! وفي رواية: هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم، فأشركنا بقرابة أمّنا! فأشركهم مع الإخوة لأم في الثّلث. وبه قال مالك، والشّافعي-رضي الله عنه-، وأبو حنيفة وافق أحمد بن حنبل-رضي الله عنه-. وتسمّى هذه المسألة: المشتركة، والحمارية، واليميّة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.