للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة البنت المخلوفة من الزّنى: وشرحها: لو زنى بامرأة، ولم يتزوجها بعقد صحيح، وحملت منه ببنت، فيجوز له أن يتزوّج هذه البنت عند الشافعي؛ لأنّه لا حرمة لماء الزنى، ولا يجوز له أن يتزوّجها عند مالك، والثّوري، وأبي حنيفة، والأوزاعيّ، والليث. ولأحمد روايتان، وبالغوا في ذلك بأنّه لو مسّها بشهوة؛ حرمت عليه أمّها، وابنتها، وحرمت على الأب، والابن. وإنّي أجرؤ على الفتوى: أنه على رأيهم في هذا الزّمن لا يوجد شيء حلال؛ لما نسمعه، ونسأل عنه من مباضعة الحموات، أي: أمهات الزّوجات، وغيرهنّ، فضلا عن المداعبة، واللّمس، والنّظر بشهوة، ولا حول ولا قوّة إلا بالله. وحجّة الشّافعي-رضي الله عنه-فيما ذهب إليه مبدأ: (الحرام لا يحرّم الحلال) وهذا مبدأ مستقيم، والله المستعان، وبه التّوفيق، وعليه الاتّكال.

{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ:} بنسب، أو رضاع، بل، وبملك يمين؛ أي: لا يجوز للرّجل أن يجمع بين أختين في عصمته في حياتهما، وأجمع العلماء على أنّه لو طلق المرأة طلاقا رجعيّا؛ لا يجوز له أن يتزوج أختها، أو أربعا سواها حتى تنقضي عدّتها. واختلفوا لو طلقها طلاقا بائنا، ولم تنقض عدّتها؛ فالمعتمد: أنه يجوز له زواج أختها، أو أربع. {إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} يعني: لكن ما قد مضى؛ فإنّه معفو عنه بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً}. وقيل: إنّ فائدة هذا الاستثناء: أنّ أنكحة الكفار صحيحة، فلو أسلم عن أختين؛ قيل: له أختر أيتهما شئت، ويدلّ على ذلك ما روي عن الضّحّاك بن فيروز عن أبيه، قال:

قلت: يا رسول الله! أسلمت، وتحتي أختان. قال: «طلق أيتهما شئت». أخرجه أبو داود، ومثله ما إذا أسلم، وعنده أكثر من أربع نسوة، فإنّه يختار أربعا، ويطلق سائرهنّ.

وقال بعض العلماء في حدّ ما يحرم الجمع بينهما، أقول: قرابة بنسب أو لبن، لو فرض أحدهما ذكرا؛ لا يجوز له زواج الآخر، لا يجوز الجمع بينهما. أقول: ويستثنى من ذلك زوجة أبي المرأة فيجوز الجمع بينها وبين ربيبتها، وعليه لا يجوز الجمع بين المرأة، وعمّتها، ولا بين المرأة، وخالتها، ودليله ما يلي:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة وخالتها». رواه البخاريّ، ومسلم. والشيعة يجوزون الجمع بين من ذكر؛ لأنهم لا يأخذون بالأحاديث النبوية إلا إذا كانت مروية عن طريق أهل البيت. أعرف شيعيّا جمع بين المرأة، وبنت أختها في حياتهما. والحكمة في منع ذلك ظاهرة، وهو ما يحدث بين الضرائر من التنازع، والتشاجر، وفيه قطع للرّحم بين المرأة وبين بنت أخيها، أو بنت أختها. هذا؛ وقال ابن شهاب: فنرى خالة أبيها، وعمّة أبيها بهذه المنزلة. وإنّما صار إلى ذلك لأنه حمل الخالة، والعمّة على العموم، وتمّ له ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>