وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ منهم، قامت الرّحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك». ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
{وَالْيَتامى:} انظر الآية رقم [٢] ورقم [٣] من هذه السّورة ففيهما الكفاية. {وَالْمَساكِينِ} انظر الآية رقم [٨] من هذه السّورة. {وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى:} الجار القريب منك، أي: فهو رحم. {وَالْجارِ الْجُنُبِ} أي: الجار الغريب. وقيل: الأوّل الذي قرب جواره منك، والثاني الّذي بعد جواره منك. والتفسير الأوّل قاله علقمة بن عبدة، يخاطب به الحارث بن جبلة الغسانيّ:[الطويل]
فلا تحرمنّي نائلا عن جناية... فإنّي امرؤ وسط القباب غريب
وقال نوف الشّامي-رحمه الله تعالى-: {وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى:} المسلم، و {وَالْجارِ الْجُنُبِ:} الكافر، وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلما كان، أو كافرا، وهو الصحيح، والإحسان يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى، والمحاماة دونه، فقد روى البخاريّ عن عائشة-رضي الله عنها-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت: أنّه سيورّثه». وروي عن ابن عمر من وجه آخر.
وعن أبي شريح الكعبي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن!» قيل: يا رسول الله! لقد خاب وخسر من هذا؟ قال:«من لا يأمن جاره بوائقه» قالوا: وما بوائقه؟ قال:«شرّه». رواه البخاريّ.
وروى البزّار عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الجيران ثلاثة: جار له حقّ واحد، وهو أدنى الجيران حقّا، وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق، وهو أفضل الجيران حقّا، فأمّا الجار الّذي له حقّ واحد؛ جار مشرك لا رحم له، له حقّ الجوار، وأمّا الجار الّذي له حقّان؛ فجار مسلم، له حقّ الإسلام وحقّ الجوار، وأمّا الّذي له ثلاثة حقوق؛ فجار مسلم ذو رحم، له حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ الرّحم». والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، ومسطورة.
{وَالصّاحِبِ بِالْجَنْبِ:} عن عليّ، وابن مسعود-رضي الله عنهما-، قالا: هي المرأة، وقال ابن عباس، ومجاهد-رضي الله عنهم-: هو الرّفيق في السّفر، وقال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: هو الرّفيق الصّالح. وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر، ورفيقك في