للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: من وجبت عليه كفارة القتل، وعجز عن الصّوم؛ فهل ينتقل عنه إلى الإطعام، فيطعم ستين مسكينا؟ ففيه قولان: أحدهما: أنّه ينتقل إلى الإطعام، كما في كفارة الظّهار، والوطء في رمضان. والثاني: أنّه لا ينتقل؛ لأنّ الله تعالى لم يذكر له بدلا، فقال: {فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ} فنصّ على الصّوم، وجعل ذلك عقوبة لقتل الخطأ، والله أعلم. انتهى خازن، وقرطبي.

أقول: وإذا انتقل إلى الإطعام، وهو الأولى؛ فليفهم معنى الإطعام، وقوله تعالى في كفارة اليمين في سورة المائدة: {مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} رقم [٨٩]، ولا يأخذ بقول من يفتي بإعطاء المسكين مدّ قمح، فيعتبر المسكين حمامة، أو دجاجة، وقال تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} فأين مدّ القمح في هذه الأيام من كسوة المسكين؟ فليتّق أولئك المشايخ الله، وليعملوا بنصّ الآيات القرآنية الصّريحة الواضحة.

بعد هذا و (دية) أصله: ودي؛ لأنّه من ودى يدي، فحذفت فاء المصدر، وعوض عنه التاء في الآخر، مثل: زنة، وعدة، و «عدو» ضدّ الصديق، وهو على وزن فعول بمعنى فاعل، مثل:

صبور، وشكور. وما كان على هذا الوزن يستوي فيه المذكر، والمؤنث، والمفرد والمثنّى، والجمع، إلا لفظا واحدا جاء نادرا، قالوا: هذه عدوة الله، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} الآية رقم [٦] من سورة (فاطر) فقد عبّر به، عن مفرد، وفي هذه الآية عبّر به عن جمع، ومثل ذلك: صديق، أي: في إتيانه لفظ واحد للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وجمع عدو: أعداء، وأعاد، وعدات، وعدى. وقيل: أعاد جمع: أعداء، فيكون جمع الجمع، وفي القاموس المحيط: والعدا بالضمّ، والكسر: اسم الجمع. هذا؛ وسمّي العدو عدوا؛ لعدوه عليك عند أول فرصة تسنح له للإيقاع بك، والقضاء عليك، كما سمّي الصديق صديقا؛ لصدقه فيما يدّعيه لك من الألفة، والمحبّة، والمودّة.

أمّا «قوم» فإنّه اسم جمع، لا واحد له من لفظه، مثل: نفر، ورهط، ومعشر، فإنّ المفرد لهذه الأسماء: رجل، وجمعها: أقوام، وأنفار، وأراهط. هذا؛ و «قوم» يطلق على الرجال دون النساء، بدليل قوله تعالى في سورة (الحجرات): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ،} وقال زهير بن أبي سلمى: وهو الشاهد رقم [٥٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الوافر]

وما أدري-وسوف إخال أدري-... أقوم آل حصن أم نساء

وربما دخل فيه النساء على سبيل التّبع للرّجال، كما في إرسال الرّسل لأقوامهم؛ إذ إنّ كلّ لفظ: (يا قوم) في القرآن الكريم، إنّما يراد به الرّجال، والنّساء جميعا، كما في هذه الآية الكريمة، وهو يذكّر، ويؤنث، قال تعالى في غير ما آية: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} وتأنيثه باعتبار

<<  <  ج: ص:  >  >>