الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها. وقيل:{إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فجيء بالغاية إماطة لظنّ من يظنّ: أنّها ممسوحة؛ لأنّ المسح لم تضرب له غاية في الشّريعة. انتهى. رحم الله الزمخشريّ المعتزليّ على هذا البيان! ومثله عن الشّافعيّ؛ لكن باختصار.
والقاطع في هذا الباب من أنّ فرض الرجلين الغسل ما قدّمناه، وما ثبت من أحاديث عن سيد الخلق وحبيب الحقّ صلّى الله عليه وسلّم. وخذ منها ما يلي: عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-قال:
تخلّف عنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفرة سافرناها، فأدركنا؛ وقد أرهقتنا الصّلاة، صلاة العصر، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح أرجلنا، فنادى بأعلى صوته:«أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النّار». متّفق عليه، وفي رواية:«ويل للأعقاب، وبطون الأقدام من النّار» رواه البيهقي، والحاكم.
وقال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: عن جابر-رضي الله عنه-قال: رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في رجل رجل مثل الدّرهم لم يغسله، فقال:«ويل للأعقاب من النّار». وقال الإمام أحمد: عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه رأى رجلا يصلّي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم، لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعيد الوضوء. ورواه أبو داود، وزاد:
والصلاة. وهذا إسناد جيد، وقويّ صحيح. والله أعلم.
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهر، وذلك: أنّه لو كان فرض الرّجلين مسحهما، أو:
أنّه يجوز ذلك فيهما؛ لما توعّد على تركه؛ لأنّ المسح لا يستوعب جميع الرّجل، بل يجري فيه ما يجري في مسح الخفّ، وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشروعية المسح على الخفّين قولا منه، وفعلا، وقد خالفت الشيعة في ذلك بلا مستند، ولا دليل، مع أنّه ثابت في صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-، كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن نكاح المتعة، وهم يستبيحونها. وكذلك الآية الكريمة دالة على غسل الرجلين وجوبا؛ مع ما ثبت بالتواتر من فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على وفق ما دلّت عليه الآية الكريمة، وهم مخالفون لذلك كلّه، وليس لهم دليل واضح صحيح في نفس الأمر. ولله الحمد على ما هدانا إليه. ولعلّ السبب في ذلك أخذهم بظاهر الألفاظ، وعدم تعمّقهم في معاني القرآن، وضعفهم في اللّغة العربية التي منهلها القرآن الكريم. خذ قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٠]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ..}. إلخ، وانظر شرحها هناك تجد ما يسرّك ويثلج صدرك، فإنّهم يفسّرونها على غير وجهها الصحيح.
عن عتبة بن عامر-رضي الله عنه-قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث الناس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ،