للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيحسن وضوءه، ثمّ يا قوم، فيصلّي ركعتين مقبلا عليهما بوجهه، وقلبه؛ إلاّ وجبت له الجنّة» فقلت: ما أجود هذا! فإذا قائل بين يدي يقول: الّتي قبلها أجود! فنظرت فإذا عمر قال: إنّي رأيتك جئت آنفا. قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين؛ إلاّ فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية يدخل من أيّها شاء».

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أمّتي يدعون يوم القيامة غرّا محجّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته وتحجيله فليفعل». رواه البخاريّ، ومسلم. وقد قيل: إنّ قوله: (فمن استطاع... إلخ) إنّما هو مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه. فأي أثر، وأيّ تحجيل لمن يمسح رجليه مسحا؟! ورحم الله من يقول: [الوافر]

ستأتي النّاس في العرصات سكرى... بلا أثر يكون لهم مزينا

وتأتي أمّة المختار غرّا... بآثار الوضوء محجّلينا

هذا؛ واستدلّ الشّافعيّ-رحمه الله تعالى-بهذه الآية على وجوب النية عند غسل الوجه.

وحجّته: أنّ الوضوء مأمور به، وكلّ مأمور به يجب أن يكون منويّا؛ لما روي في الصحيحين من حديث عمر-رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى». والوضوء من الأعمال، فيجب أن يكون منويّا. وذهب الشّافعي، ومالك، وأحمد- رحمهم الله تعالى-إلى وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء، كما في نصّ الآية، فيغسل وجهه أولا، ثمّ يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، فصار الترتيب فرضا سادسا، وأمّا أبو حنيفة فلم يعد النّيّة ركنا، ولا الترتيب أيضا، فأركان الوضوء عنده أربعة فقط.

{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ:} انظر شرح هذا الكلام في الآية رقم [٤٣] من سورة النّساء ففيه الكفاية.

{ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} أي: إنّ الله لا يريد أن يضيّق عليكم، لذا فقد شرع لكم التيمم تيسيرا عليكم. {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} أي: من الأوساخ الحسّيّة، والمعنوية، فالحسّيّة: كإزالة ما يعلق بالبدن من أقذار مرئيّة، والمعنوية: الذنوب، والسيئات؛ لأنّ الوضوء وما ينوب عنه سبب لمحو الأوزار، والخطايا.

{وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} أي: برخصه عليكم، أو بما شرعه لكم من أحكام. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:} نعمه التي أنعمها عليكم، فيثيبكم على ذلك، وهذا الفعل يتعدّى بنفسه، وبحرف الجر، تقول: شكرته، وشكرت له. كما تقول: نصحته، ونصحت له. والشّكر: صرف العبد

<<  <  ج: ص:  >  >>