وسبب ذلك: أن فرعون-لعنه الله تعالى-رأى في نومه: أنّ نارا أقبلت من بيت المقدس، فأحاطت بمصر، وأحرقت كلّ قبطيّ بها، ولم تتعرّض لبني إسرائيل، فشقّ ذلك عليه، وسأل الكهنة عن هذه الرؤيا، فقالوا له: إنّ مولودا يولد في بني إسرائيل، يكون سببا لذهاب ملكك، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل، حتّى قتل من أولادهم اثني عشر ألفا، وأسرع الموت في شيوخهم، فجاء رؤساء القبط إلى فرعون، وقالوا له: إن الموت قد وقع في بني إسرائيل، فتذبح صغارهم، ويموت كبارهم، فيوشك أن يقع العمل علينا، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة، ويتركوا سنة، فولد هارون في السّنة التي لا يذبح فيها، وولد موسى في السنة التي يذبح فيها، انظر تفصيل ذلك في أول سورة (القصص). والله وليّ التوفيق. هذا؛ ويقرأ:«يذبحون» بتخفيف الباء، وتشديدها.
هذا وقال وهب بن منبه: كان بنو إسرائيل أصنافا في أعمال فرعون: فالقوي يقطع الحجر من الجبال، (هذا صنف) وصنف ينقل الحجارة، والطّين لبناء قصوره، وصنف يضرب اللّبن، ويطبخ الآجرّ، وصنف نجّار، وآخر حداد، والضعفاء منهم يضرب عليهم الجزية، والنّساء يغزلن الكتان، وينسجنه. هذا؛ وأصل ({يَسْتَحْيُونَ}): «يستحييون» بياءين: الأولى عين الكلمة مكسورة، والثانية لامها مضمومة. فقيل: حذفت الأولى، فصار وزنه: يستفاون. وقيل: حذفت الثانية، فصار وزنه: يستفعون، وطريق الحذف على الأول أن يقال: استثقلت الكسرة على الياء الأولى، فحذفت فالتقى ساكنان:(الياء الأولى مع الحاء) فحذفت الياء لعلّة الالتقاء، فصار:({يَسْتَحْيُونَ}) وطريق الحذف على الثاني أن يقال: حذفت الثانية اعتباطا، وتخفيفا، فصار:«يَسْتَحْيُونَ» ثمّ ضمّت الأولى لمناسبة الواو. والمراد بالنساء: الأطفال، وإنّما عبر عنهنّ بالنّساء؛ لمآلهن إلى ذلك، وعكسه قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٢]: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} فهو باعتبار ما كان؛ لأنّهم بلغوا الرّشد، ولم يبقوا يتامى.
هذا؛ و (نساء): اسم جمع لا واحد له من لفظه؛ لأن مفرده: امرأة، وجمعها في القلّة:
نسوة. وفي الكثرة: نساء، وتجمع أيضا على: نسوان، ونسون، ونسنين، وهذه الجموع كلّها مأخوذة من النّسيان؛ الذي رأيت شرحه في الآية رقم [٤٤] فهي مطبوعة عليه، إما إهمالا، وإما كذبا. ويقال لكلّ واحد من هذه الجموع: اسم جمع لا واحد له من لفظه. أما المرأة: فهي مأخوذة من المرء. وهو الرّجل، فلذا سمّيت بذلك، والأمّ الأولى: حواء-عليها ألف سلام- سميت بذلك، لأنها مأخوذة من حي، وهو آدم، على نبيّنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.