أشداء، أقوياء، غلظاء على أعدائهم الكافرين. قال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: هم للمؤمنين كالوالد للولد، والسّيّد للعبد، وهم في الغلظة على الكفّار كالسّبع على فريسته. قال تعالى في وصفهم في آخر سورة (الفتح): {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} انظر شرحها؛ تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. هذا؛ وبين:{أَذِلَّةٍ} و {أَعِزَّةٍ} طباق، وهو من المحسّنات البديعيّة.
{يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ:} يبذلون أموالهم، وأرواحهم في سبيل نصرة الدّين الحنيف، ولا يخافون لومة لائم: بخلاف المنافقين يخافون الدّوائر، فدلّ بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي-رضي الله عنهم أجمعين-؛ لأنّهم جاهدوا في الله-عزّ وجلّ-في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقاتلوا المرتدّين بعده، ومعلوم: أنّ من كانت فيه هذه الصفات؛ فهو وليّ لله تعالى. وقيل: الآية عامّة في كلّ من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة.
فعن عبادة بن الصّامت-رضي الله عنه-قال:«بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع، والطّاعة في العسر، واليسر، والمنشط، والمكره، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم». متّفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحقرنّ أحدكم نفسه أن يرى لله أمرا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت في كذا، وكذا؟ فيقول: مخافة النّاس، فيقول: إيّاي أحقّ أن تخاف». أخرجه الإمام أحمد.
{ذلِكَ:} إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبّة، ولين الجانب للمؤمنين، والشدّة على الكافرين، وأنّهم يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم. كلّ ذلك من فضل الله تعالى، تفضّل به عليهم، ومن إحسانه إليهم. {فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ:} يعطيه، ويمنحه من يشاء من عباده. {وَاللهُ واسِعٌ:} يسع خلقه كلهم بالكفاية، والرزق، والجود، والعطاء، وهو واسع الفضل، والرّحمة. وقيل: واسع القدرة، والعلم، والرزق. وقيل: هو الغنيّ الذي وسع جميع مخلوقاته. {عَلِيمٌ} بأفعال عباده، وبمن يستحقّ الفضل، والرحمة، قال تعالى في سورة طه:
{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
هذا؛ و «أتى» يأتي لازما؛ إن كان بمعنى: حضر، وأقبل. ومتعدّيا إن كان بمعنى: وصل، وبلغ. فمن الأول ما في الآية الكريمة قوله تعالى:{يَأْتِي اللهُ} وقوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ،} ومن الثاني قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ} رقم [٤٧] من سورة (الأنعام)، ومثلها برقم [٤٠] منها، هذا؛ و «أتى» بمعنى:
أعطى، يعطي ينصب مفعولين، ومنه ما في الآية الكريمة:{يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ}. و {لائِمٍ} أصله:
لاوم اسم فاعل من: لام، يلوم، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يعتدّ بالألف