للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة، وجور السّلطان عليهم.

ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم؛ لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلا سلّط عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله تعالى، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلاّ جعل الله بأسهم بينهم». رواه ابن ماجة، وغيره.

وعن ثوبان-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن».

فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: «حبّ الدنيا، وكراهية الموت». أخرجه أبو داود، وأحمد، وغيرهما.

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلّط الله عليكم ذلاّ لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم». أخرجه أبو داود. ومن قول عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، إذا طلبنا العزّة بغيره؛ أذلّنا الله.

{وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} أي: انقلبوا، ورجعوا بغضب من الله؛ أي: لزمهم ذلك، وصاروا أحقاء به، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث سيد الاستغفار: «أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي» أي:

أعترف بنعمتك عليّ، وأرجع بذنبي إليك، لتغفره لي. وقال تعالى في سورة (المائدة) حكاية عن قول هابيل لأخيه قابيل: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} رقم [٢٩]، وأصله في اللغة الرّجوع، ومثله «آب» بتقديم الهمزة على الباء، وقال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته رقم [٧٧]: [الوافر]

فابوا بالنّهاب وبالسّبايا... وأبنا بالملوك مصفّدينا

أي: رجعوا، ورجعنا. وقد تقدّم معنى «الغضب» في سورة الفاتحة. {ذلِكَ} إشارة إلى الذلّة، والمسكنة، والغضب. {بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ} أي: بسبب كفرهم بآيات الله، أي: بالتوراة، أو بالمعجزات التي أجراها الله على يد موسى تأييدا لنبوّته، وتقوية لحجّته {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} مثل: يحيى، وزكريا، وشعياء. فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-، قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النّهار. رواه أبو داود الطيالسي، بمعنى: لا يهمهم ذلك، ولا يكترثون به، ولا يحسبون له حسابا، وكلمة «في اليوم» لا تعني كلّ يوم، ولكن في بعض الأيام، وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي، أو قتل نبيّا، وإمام ضلالة، وممثّل من الممثّلين» أخرجه الإمام أحمد في مسنده. وهذا الحديث قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين طعن أبيّ ابن خلف في غزوة أحد، وكان ذلك سببا لموته.

<<  <  ج: ص:  >  >>