{بِغَيْرِ الْحَقِّ:} معلوم: أنّه لا يقتل نبيّ بحقّ، ولكن يقتل بالدّفاع عن الحقّ، فصرح بقوله:
{بِغَيْرِ الْحَقِّ} للتشنيع عليهم، فلم يأت نبيّ قط بشيء يوجب قتله. فإن قيل: كيف جاز أن يخلّى بين الكافرين، وقتل الأنبياء؟! قيل: ذلك كرامة لهم، وزيادة في علوّ مقاماتهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين، وليس ذلك خذلانا لهم. قال ابن عباس، والحسن-رضي الله عنهم-: لم يقتل نبيّ قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكلّ من أمر بقتال؛ نصره. ومعلوم:
أنّ نبينا صلّى الله عليه وسلّم أمر بقتال، فنصر بذلك.
{ذلِكَ بِما عَصَوْا:} الإشارة إلى ما تقدّم، والعصيان: خلاف الطاعة. {وَكانُوا يَعْتَدُونَ} يتجاوزون حدود الله، فينتهكونها. ويؤخذ من هذا: أن صغار الذنوب يجرّ إلى كبارها، كما أنّ صغار الطّاعات يجرّ إلى كبارها، فاليهود جرّهم ارتكاب معصية الله إلى عظائم الأمور؛ حيث قتلوا الأنبياء، واستحلوا المحرّمات، وجرّهم ذلك أيضا إلى الكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وتحريف التوراة، وغير ذلك ممّا ذكره القرآن الكريم عنهم.
هذا؛ و (نبيّون) جمع نبي، يقرأ بالهمز، وبدونه، وهو مأخوذ من النبأ، وهو الخبر؛ لأنّ النبيّ يخبر عن ربه. وقيل: بل مأخوذ من النّبوة، وهو الارتفاع؛ لأنّ رتبة النبيّ ارتفعت عن رتب الخلق. هذا؛ والنبيّ غير الرسول، بدليل عطفه عليه في قوله تعالى في سورة الحجّ رقم [٥٢]:
{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ..}. إلخ. وقيل: هو أعم منه؛ لأنّ كل رسول نبيّ، وليس كلّ نبيّ رسولا، أمّا تعريفهما؛ فالرّسول: ذكر، حرّ، من بني آدم، سليم عن منفّر طبعا، أوحي إليه بشرع يعمل به، ويؤمر بتبليغه، فإن لم يؤمر بالتبليغ؛ فهو نبيّ، وليس رسولا، فنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم صار نبيّا بنزول سورة (اقرأ) عليه، وبعد ستة أشهر من نزولها صار رسولا، بنزول صدر سورة (المدثر) عليه.
هذا؛ ويروى: أنّ أبا ذرّ-رضي الله عنه-سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عدد الأنبياء، فقال:«مائة ألف، وأربعة وعشرون ألفا» قال: كم عدد الرسل منهم؟ قال:«ثلاثمائة وثلاثة عشر، أولهم آدم، وآخرهم نبيكم». أخرجه الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه اختلاف بسيط، هذا: وأربعة منهم من العرب، هم: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم. وإسماعيل بن إبراهيم مستعرب لسكناه مكة مع قبيلة جرهم، وتزوّجه بامرأتين منهم. والمذكور من الرّسل في القرآن بأسمائهم خمسة وعشرون، ومعرفتهم بأسمائهم واجبة على كلّ مسلم، ومسلمة من المكلّفين، وأعني بمعرفتهم:
أنه لو عرض اسم رسول منهم على مسلم، فيجب عليه أن يعرف أهو من المرسلين، أم لا؟ هذا وقال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم في سورة (النساء) رقم [١٦٤]: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} وقال تعالى في سورة (غافر) رقم [٧٨]: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}.