المعنى: قد وعدتني أن تدهن رأسي، وأن تخرج القمل منه، وأن تسرح لحيتي حتى تصبح جيدة. ومثل ذلك كثير في الكلام العربي شعرا، ونثرا، هذا ويرى كثيرون من أهل العلم: أنّ هذه الحروف، إنما ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأنّ الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطّعة؛ التي يتخاطبون بها. حكاه الرازي عن المبرد، وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، وقرّره الزمخشري، ونصره أتمّ نصر، وإليه ذهب الإمام ابن تيمية، وشيخنا الحافظ أبو الحجّاج المزي. انتهى مختصر ابن كثير.
{ذلِكَ الْكِتابُ} أي الذي وعد به على لسان موسى، وعيسى-على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-وإنما أدخل اللام على اسم الإشارة، وهي للبعد، والقرآن الكريم في متناول اليد، وذلك للإيذان بعلوّ شأنه، ورفعة قدره، وكونه في الغاية القصوى من الفضل، والشرف، وعلوّ المكانة، فكأنّه بسبب ذلك بعيد كل البعد، فنزل بعد المرتبة منزلة البعد الحسي.
{لا رَيْبَ فِيهِ:} فقد نفى الله عنه الريب، أي: الشك على سبيل الاستغراق، وقد ارتاب فيه كثيرون؛ لأن المنفي كونه متعلقا للريب، ومظنّة له؛ لأنه من وضوح الدلالة، وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه، لا أن أحدا لا يرتاب، ومن ارتاب فيه، أو في بعضه، فالريب حصل له من فهمه السّقيم، وعقله العقيم، وخذ قول المتنبي: [الوافر]
وكم من عائب قولا صحيحا... وآفته من الفهم السّقيم
ولكن تأخذ الآذان منه... على قدر القريحة والفهوم
ورحم الله البوصيري إذ يقول: [البسيط]
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد... وينكر الفم طعم الماء من سقم
ورحم الله أحمد شوقي إذ يقول: [الوافر]
وما ضرّ الورود وما عليها... إذا المزكوم لم يطعم شذاها
وما أحسن قول بعضهم: [البسيط]
عاب الكلام أناس لا خلاق لهم... وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضرّ شمس الضحى في الأفق طالعة... ألاّ يرى ضوءها من ليس ذا بصر
وخذ قول أبي الطيب المتنبي أيضا: [الوافر]
ومن يك ذا فم مريض... يجد مرّا به الماء الزّلالا
هذا وتقول: رابني هذا الأمر، أي: أوقعني في ريبة، أي في شك، وحقيقة الريبة: قلق النفس، واضطرابها، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». أخرجه الترمذيّ،