للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرتفع مع وجود هذه الأقسام بحكم الاستثناء في قوله تعالى: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وتباح له الميتة، فأمّا الإكراه؛ فيبيح له ذلك إلى أن يزول، وأما المخمصة، فلا يخلو أن تكون دائمة، فلا خلاف في جواز الشّبع منها. وإن كانت نادرة؛ فاختلف فيها العلماء، وللشّافعي فيها قولان: أحدهما:

أنّه يأكل ما يسدّ به الرّمق، وبه قال أبو حنيفة. والثاني: أنه يأكل قدر الشّبع. وبه قال مالك، وهو المعتمد إن شاء الله، وحديث العنبر نصّ في ذلك، فإنّ أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما رجعوا من سفرهم وقد ذهب عنهم الزاد، وكانوا في غزوة على ساحل البحر، فرفع لهم على ساحله كهيئة الكثيب الضّخم، فلمّا أتوه، فإذا هي دابة تدعى: العنبر، فقال أبو عبيدة أميرهم-رضي الله عنه-: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم، فكلوا، قال: فأقمنا عليها شهرا، ونحن ثلاثمائة؛ حتى سمنّا، فأكلوا، وشبعوا رضوان الله عليهم مما اعتقدوا: أنّها ميتة، وتزوّدوا منها إلى المدينة، وذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرهم صلّى الله عليه وسلّم: أنّه حلال، وقال: «هل معكم من لحمه شيء، فتطعمونا؟». فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه فأكله، فهو معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وكرامة لهم حيث لم ينتن.

مسألة: إذا وجد المضطر ميتة، وطعام الغير، بحيث لا قطع فيه، ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بلا خلاف؛ لحديث عبّاد بن شرحبيل الغزي-رضي الله عنه- قال: أصابنا عام مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطا، فأخذت سنبلا، ففركته، وأكلته، وجعلت منه في كسائي، فجاء صاحب الحائط، فضربني، وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته. فقال للرّجل: «ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساغبا، ولا علّمته إذ كان جاهلا». فأمره، فردّ إليه ثوبه، وأمر له بوسق طعام، أو نصف وسق. رواه ابن ماجة. وقال مسروق: من اضطر إلى طعام، أو شراب، فله أن يأكل، ويشرب، فإن لم يأكل، ولم يشرب، ثم مات؛ دخل النار.

وذكر التّرمذي عن يحيى بن سليم بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر-رضي الله عنهم أجمعين-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دخل حائطا؛ فليأكل، ولا يتّخذ خبئة». قال أبو عبيد: قال أبو عمر: وهو الوعاء الذي يحمل فيه الشيء. وروى أبو داود عن الحسن عن سمرة-رضي الله عنه-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها؛ فليستأذنه، فإن أذن له؛ فليحتلب، ويشرب، ولا يحمل».

{غَيْرَ باغٍ:} خارج على المسلمين، و {وَلا عادٍ} معتد عليهم بقطع الطّريق، فيدخل فيها قاطع الطريق، الخارج على السّلطان بدون تأويل، والمسافر في قطع الرحم، وقصد السّرقة، وإيذاء الناس، وما شاكله من الأمور غير المباحة، وهذا قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما، وبه قال المفسّرون من أئمة الشّافعية. وقال قتادة، والحسن، والرّبيع، وابن زيد،

<<  <  ج: ص:  >  >>