للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، فلذلك وصى المؤمنين بالتوبة، والاستغفار، ووعد بالفلاح إذا تابوا، واستغفروا، وقد قيل:

أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة إلى التوبة. وينبغي أن تعلم: أن التوبة المقبولة هي التوبة النصوح التي ذكرها ربنا في سورة (التحريم) ولها شروط: الندم بالجنان، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالأركان، ورد الحقوق لأصحابها بحسب الإمكان.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر من الاستغفار، والتوبة مع كونه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وذلك تعليم لنا، وترغيب في كثرة الاستغفار، والتوبة إلى الله تعالى، فعن الأغر أغر مزينة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «توبوا إلى ربّكم، فو الله إنّي لأتوب إلى ربّي تبارك وتعالى مئة مرّة في اليوم». رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس يقول: «ربّ اغفر لي، وتب عليّ إنّك أنت التواب الرّحيم مئة مرّة». أخرجه عبد بن حميد الكشي، والأحاديث المرغبة في التوبة كثيرة لا تعد، ولا تحصى.

ولا تنس: أن في الآية التفاتا من الغيبة في كل ما تقدم إلى الخطاب في قوله تعالى: {وَتُوبُوا..}.

إلخ، وانظر الالتفات في الآية رقم [٣٤] من سورة (الأنبياء).

خاتمة: يطعن المستشرقون، وكثير من المسلمين المثقفين في أحكام الإسلام، ويصفونه بالقسوة في حدوده التي وضعها لبعض الجرائم التي يقترفها العبد، مثل إقامة الحد على الزاني، والزانية، من جلد، أو رجم حسب ما رأيت في مطلع هذه السورة، فنرد عليهم، ونقول لهم: إن الإسلام الحنيف كرم المرأة، وأحاطها بسياج من العفة، وحفظ الشرف، ورفعة القدر، وعلو المكانة، فهو لم يفتح لها الباب على مصراعيه، تخالط من تشاء، وترافق من تشاء، وتتأبط من تشاء، وإنما أمرها في القعود في بيتها، وكلف الرجل بالإنفاق عليها، وتقديم مطالبها، وقد شرع من التعاليم، والآداب ما يجعلها في كن منيع من الوقوع في جريمة الزنى، فقد حرم النظر منها، وإليها كما رأيت، وشرع الاستئذان في الدخول على البيوت؛ حتى لا يداهمها رجل في بيتها، وقد تكون وحدها، وحرم عليها التبرج، والخروج إلى الشوارع متهتكة، وحرم عليها الخلوة بمن يحل له زواجها، فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلونّ بامرأة ليس معها ذو محرم، فإنّ ثالثهما الشّيطان».

وعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النساء». فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحم؟ قال: «الحم الموت». أخرجه البخاري، ومسلم. وقد فسر العلماء الحم بأنه أخو الزوج وابن أخيه، وعمه وابن عمه، ونحوهم مما يشمل أقارب الزوج وأقارب الزوجة، ومعنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الحم الموت». أي: الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر؛ لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة بها من غير أن ينكر عليه أحد، وكان المعنى: موته، ولا يختلي بامرأة قريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>