للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله شبه المصباح بالكوكب، ولم يشبهه بالشمس، والقمر؛ لأنهما يلحقهما الكسوف بخلاف الكواكب. هذا؛ ويقرأ {دُرِّيٌّ} بقراآت كثيرة.

{يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ} أي: يستمد المصباح زيته من زيت شجرة كثيرة البركة، وهي شجرة الزيتون، ذات المنافع الكثيرة. انظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٠] من سورة (المؤمنون).

هذا؛ ويقرأ: «(توقد)» بالتاء على إسناده إلى الزجاجة، و «(توقّد)» على أنه أصله: تتوقد.

{زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ:} فقد قال ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم: الشرقية هي التي تصيبها الشمس إذا أشرقت، ولا تصيبها إذا غربت؛ لأن لها سترا. والغربية عكسها، أما شجرة الزيتون المذكورة هنا فإنها في صحراء ومنكشف من الأرض، لا يواريها عن الشمس شيء في أول النهار، ولا في آخره، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية، ولا للغرب فتسمى غربية، بل هي شرقية غربية، وما كانت بهذه المثابة؛ فزيتها أطيب زيت. وقيل: المعنى: أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر، ولا في غرب يضرها البرد. وقيل: المعنى: هي شامية؛ لأن الشام وسط الأرض لا شرقي، ولا غربي. وقيل: ليست هذه الشجرة من أشجار الدنيا؛ لأنها لو كانت في الدنيا، لكانت شرقية، أو غربية، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره. وقيل غير ذلك، والأول هو الأولى بالاعتبار.

{يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} أي: يكاد يضيء بنفسه من غير نار تمسه، وذلك لشدة صفائه، وحسنه، وجودته، وفرط تلألئه، ورونقه. {نُورٌ عَلى نُورٍ} أي أنه اجتمع في المشكاة ضوء المصباح، إلى ضوء الزجاجة، وإلى ضوء الزيت الصافي الجيد، فصارت المشكاة كأنور ما يكون، لحصر النور فيها، وعدم نفاذه إلى خارجها، فكذلك براهين الله تعالى واضحة، وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه، كإرساله الرسل، وإنزاله الكتب، ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر.

{يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ} هدايته، وسعادته، ومن لم يهده الله فلا هادي له، ولا يرى النور مهما قدمت له من البراهين، والحجج. قال تعالى في الآية رقم [١٧] من سورة (الكهف): {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً}. {وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ} أي:

يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام، وتسهيلا لسبيل الإدراك، وإدناء للمعقول من المحسوس توضيحا وبيانا. {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:} لا يخفى عن علمه شيء في الأرض، ولا في السماء، معقولا كان، أو محسوسا، ظاهرا كان، أم خفيا، وفيه وعد لمن تدبر الأمثال، وانتفع بها، ووعيد لمن لم يكترث بها، ولم يستفد منها.

هذا؛ وعلى اعتبار الممثل به فقد اختلف العلماء في معنى هذا التمثيل، فقيل: المراد به الهدى، ومعناه: أن هداية الله تعالى قد بلغت في الظهور، والجلاء إلى أقصى الغايات، وصار ذلك بمنزلة المشكاة التي فيها زجاجة صافية، وفي تلك الزجاجة مصباح يتقد بزيت، بلغ النهاية

<<  <  ج: ص:  >  >>