في الصفاء، والرقة، والبياض، فإذا كان كذلك؛ كان عاملا في صفائه، وصلح أن يجعل مثلا لهداية الله تعالى.
وقيل: وقع هذا التمثيل لنور محمد صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-لكعب الأحبار: أخبرني عن قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ} قال كعب: هذا مثل ضربه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، فالمشكاة صدره، و {الزُّجاجَةُ} قلبه، و {الْمِصْباحُ} فيه النبوة. {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ} هي شجرة النبوة، يكاد محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمره يتبين للناس، ولو لم يتكلم به أنه نبي، كما يكاد ذلك الزيت يضيء، ولو لم تمسسه نار.
وروي عن ابن عمر-رضي الله عنهما-في هذه الآية قال: المشكاة جوف محمد صلّى الله عليه وسلّم، والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذي جعله الله فيه، {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ:} لا يهودي، ولا نصراني، {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ:} إبراهيم عليه الصلاة، والسّلام، {نُورٌ عَلى نُورٍ:} نور قلب إبراهيم، ونور قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال محمد بن كعب القرظي: المشكاة: إبراهيم، و {الزُّجاجَةُ:} إسماعيل، و {الْمِصْباحُ:}
محمد صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين، سمى الله محمدا مصباحا، كما سماه:(سراجا منيرا)، والشجرة المباركة إبراهيم عليه الصلاة والسّلام؛ لأن أكثر الأنبياء من صلبه، {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ،} يعني إبراهيم لم يكن يهوديا، ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما؛ لأن اليهود تصلي إلى الغرب، والنصارى تصلي إلى الشرق، {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} تكاد محاسن محمد صلّى الله عليه وسلّم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه، {نُورٌ عَلى نُورٍ} نور نبي من نسل نبي، نور محمد على نور إبراهيم.
وقيل: وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن، قال أبي بن كعب: هذا مثل المؤمن، فالمشكاة نفسه، والزجاجة قلبه، و {الْمِصْباحُ} ما جعله الله فيه من الإيمان، والقرآن، {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ} هي شجرة الإخلاص لله وحده، فمثله مثل شجرة التفّ بها الشجر، فهي خضراء ناعمة نضرة، لا تصيبها الشمس؛ إذا طلعت، ولا إذا غربت، فكذلك المؤمن قد احترس أن يصيبه شيء من الفتن، فهو بين أربع خلال، إن أعطي؛ شكر، وإن ابتلي؛ صبر، وإن حكم؛ عدل، وإن قال؛ صدق، {يَكادُ زَيْتُها،} أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه، {نُورٌ عَلى نُورٍ،} قال أبيّ: أي: فهو يتقلب في خمسة أنوار، قوله نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوآ على ضوئه، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم؛ ازداد هدى على هدى، ونورا على نور.
وقال الكلبي:{نُورٌ عَلى نُورٍ} يعني: إيمان المؤمن وعمله. وقيل: نور الإيمان، ونور القرآن، وقيل: هذا مثل القرآن، فالمصباح هو القرآن، فكما يستضاء بالمصباح؛ فكذلك يهتدى