للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من صدقة التطوع بمجرد اليتم على وجه الصّلة، وإن كان غنيّا، أو لا يعطى؛ حتى يكون فقيرا؟ قولان للعلماء، وهذا على أن يكون إيتاء المال غير الزكاة الواجبة على ما بيّنته، أما الزكاة الواجبة؛ فلا يعطى منها إلا إذا كان فقيرا.

{وَالسّائِلِينَ:} جمع: سائل، وهو الذي يطلب منك المال، ويريد منك المساعدة، والعون، وقد حثّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على إعطاء السّائل، وبذل المال له مهما كان قليلا، ومهما كانت هيئة السّائل، وحالته، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تردّوا السّائل ولو بظلف محرق». وقال: «أعطوا السّائل ولو جاء على ظهر فرس». وإن كان ضعيفا. وفي رواية للإمام أحمد، وأبي داود: «للسّائل حقّ؛ وإن جاء على فرس». وفي الوقت نفسه حذر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من السؤال، والمسألة، وشدّد النكير على الذين يتسوّلون. وخذ ما يلي:

فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى الله تعالى؛ وليس في وجهه مزعة لحم». أخرجه البخاري، ومسلم.

وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المسألة كلوح في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه». رواه الإمام أحمد.

فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم يريد من المسلم أن يكون عزيز النفس، مرفوع الرأس، لذا نفّر من السؤال، والمسألة، ورغّب في العمل، فعن الزّبير بن العوّام-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكفّ بها وجهه خير له من أن يسأل النّاس أعطوه، أم منعوه» وغير ذلك. وخذ هذه الطرفة عن الأصمعي-رحمه الله تعالى -حيث قال: مررت في بعض سكك الكوفة؛ فإذا برجل قد خرج من حشّ وعلى كتفه جرّة، وهو يقول: [الطويل]

وأكرم نفسي إنّني إن أهنتها... وحقّك لم تكرم على أحد بعدي

فقلت له: أتكرمها بمثل هذا؟ قال: نعم، وأستغني عن مسألة مثلك: إذا سألته، ثم قال:

صنع الله بك، وترك! فقلت: تراه عرفني، فأسرعت، فصاح بي، وأنشد: [الوافر]

لنقل الصّخر من قلل الجبال... أحبّ إليّ من منن الرّجال

يقول النّاس كسب فيه عار... وكلّ العار في ذلّ السّؤال

{وَفِي الرِّقابِ} أي: فكّها من الرّقّ، والعبودية يوم كانت موجودة، وذلك بالمكاتبة، أو فكّ الأسارى. وإعطاء المال لهؤلاء، والحثّ عليه المراد به غير الزكاة المفروضة، وغير الكفّارات على جميع أنواعها، وإنّما هو على سبيل القرب بدليل عطف الزكاة عليه فيما يلي.

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا:} هم الذين إذا وعدوا؛ أنجزوا، وإذا نذروا؛ وفّوا، وإذا حلفوا؛ بروا في أيمانهم. وإذا قالوا؛ صدقوا في أقوالهم، وإذا ائتمنوا؛ أدّوا الأمانة. خازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>