للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر الآية رقم [٥١]. وهذه صفات المؤمنين الحقيقيين، ونقيضها صفات المنافقين الكذّابين، المخادعين {وَالصّابِرِينَ:} انظر: الآية رقم [٤٥].

{الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ:} اسمان مشتقان من البؤس، والضر بضم الباء والضاد، ولا فعل لهما؛ لأنهما اسمان، وليسا بنعت، وعن الأزهريّ: البأساء في الأموال، كالفقر، والضرّاء في الأنفس، كالمرض، وبعبارة أوضح أقول: البؤس: الشرّ، والجهد، والشدّة، مؤنّثه: بؤسى بوزن رجعى، وتمدّ فتفتح الباء، كما في هذه الآية، وغيرها.

{وَحِينَ الْبَأْسِ} أي: حين شدّة القتال في سبيل الله، قال الإمام عليّ-رضي الله عنه-: كنّا إذا اشتدّ البأس؛ اتّقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

{أُولئِكَ} أي: الموصوفون بما ذكر، {الْمُتَّقُونَ:} أي: الذين امتثلوا أمر الله فيما أمر، وفيما نهى عنه. هذا؛ وجاء الخبر في الجملة الأولى فعلا ماضيا: {صَدَقُوا} لإفادة التحقيق، وأن ذلك وقع منهم، واستقرّ، وجاء الخبر في الجملة الثانية جملة اسمية: {هُمُ الْمُتَّقُونَ} ليدل على الثبوت، وأنه ليس متجدّدا، بل صار كالسّجيّة لهم، ومراعاة للفاصلة أيضا. ووصفهم الله بالصدق في الأقوال، والأعمال، والتّقوى في أمورهم والوفاء بها، وهذا غاية الثناء. والصّدق:

خلاف الكذب، ويقال: صدقوهم القتال بمعنى: ثبتوا في الميدان، والصّدّيق: الملازم للصّدق، وفي الحديث الصّحيح: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق، ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا». أخرجه البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم.

تنبيه: جاء ({الصّابِرِينَ}) منصوبا بالياء، والأصل أن يكون مرفوعا عطفا على ما قبله، وإنما نصب على الاختصاص، أو المدح؛ أي: وأخص بالذّكر، أو أمدح الصابرين، وهذا الأسلوب معروف عند البلغاء، فإذا ذكرت صفات للمدح، أو الذمّ، وخولف الإعراب في بعضهما؛ فذلك تفنّن، ويسمّى: قطعا؛ لأن تغيير المألوف يدل على مزيد اهتمام بشأنه، وتشويق لسماعه. ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (النّساء) رقم [١٦٢]: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ}.

تنبيه: يطعن المستشرقون، والملحدون من أبناء المسلمين في الإسلام، وينعتونه بالقسوة، وبأنّه عمل على تكديس الرقّ، وتكريسه، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٣] من سورة (النور) تجد الجواب كافيا شافيا بحمد الله، وتوفيقه.

الإعراب: {لَيْسَ:} فعل ماض ناقص. {الْبِرَّ:} خبر: {لَيْسَ} مقدم. {أَنْ:} حرف مصدري ونصب. {تُوَلُّوا:} فعل مضارع منصوب ب‍ {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل رفع اسم {لَيْسَ} مؤخّر. وهذه قراءة حفص، وقرأ الباقون برفع («البر») على أنّه اسم:

<<  <  ج: ص:  >  >>