تنبيه: قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي-رضي الله عنه-: كان يقال: زيد بن محمد؛ حتى نزل قوله تعالى:{اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ} فقال زيد: أنا زيد بن حارثة، وحرم عليه أن يقول: أنا زيد بن محمد. فلما نزع عنه هذا الشرف، وهذا الفخر، وعلم الله وحشته من ذلك، شرفه بخصوصية لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي أنه سماه في القرآن، فقال تعالى:{فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً} يعني: من زينب، ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم؛ حتى صار قرآنا يتلى في المحاريب؛ نوّه به غاية التنويه، فكان في هذا تأنيس له، وعوض من الفخر بأبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم له.
ألا ترى إلى قول أبي بن كعب-رضي الله عنه-حين قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا، فبكى، وقال: أو ذكرت هنالك؟ وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر: أن الله تعالى ذكره، فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلدا لا يبيد، يتلوه أهل الدنيا إذا قرءوا القرآن، وأهل الجنة كذلك أبدا، لا يزال على ألسنة المؤمنين، كما لم يزل مذكورا على الخصوص عند رب العالمين؛ إذ القرآن كلام الله القديم، وهو باق لا يبيد؟! فاسم زيد في هذه الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة، تذكره في التلاوة السفرة الكرام البررة، وليس ذلك لاسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء، ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى مما نزع منه، وزاد في الآية أن قال:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ} أي: بالإيمان؛ فدل على أنه من أهل الجنة، علم ذلك قبل أن يموت، وهذه فضيلة أخرى. انتهى. قرطبي.
تنبيه: وهنا يحلو لبعض ضعفاء الإيمان الذين في قلوبهم مرض أن يثيروا الشبهات حول زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بزينب-رضي الله عنها-فقد زعموا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى زينب، فأحبها ثم كتم هذا الحب، ثم بعد ذلك أظهره، ورغب في زواجها، فطلقها زيد، وتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وزعموا: أن العتاب في الآية كان لكتمان حبه لها.
وكذبوا، وافتروا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مر ببيت زيد، وهو غائب، فرأى زينب، فوقع منها في قلبه شيء، فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت زينب تلك التسبيحة، فنقلتها إلى زيد، فوقع في قلبه أن يطلقها؛ حتى يتزوجها الرسول إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة التي تلقفها المستشرقون ومن على شاكلتهم من المسلمين المزيفين، وخذ ما يلي:
روي عن علي بن الحسين-رضي الله عنهم أجمعين-: أنه قال: أعلم الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم: أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها إليه، وقال له:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ} عاتبه الله، وقال له: أخبرتك: أني مزوجكها. {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ،} فالذي أخفاه الرسول ليس هو الحب، وإنما أخفى ما أوحى الله إليه من أمر الزواج بها لحكمة عظيمة، هي إبطال عادة التبني. ومحمد صلّى الله عليه وسلّم كان يعرف زينب من الصغر؛ لأنها ابنة عمه،