{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} ويجمع أيضا على: أناسي، كما في الاية رقم [٤٩] من سورة (الفرقان). هذا؛ وفي قوله تعالى:{بِوالِدَيْهِ} تغليب الوالد على الوالدة، وفي أبويه تغليب الأب على الأم.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أي: بكره، ومشقة. فالأول المراد به حين أثقلت، وثقل الولد في بطنها. والمراد بالثاني ما تلاقيه من عناء الطلق، والولادة، و {كُرْهاً} بضم الكاف، ويقرأ بفتحها، قيل: هما لغتان مثل: الضّعف، والضّعف، والفقر، والفقر، والشّهد، والشّهد.
قاله الكسائي، وكذلك هو عند البصريين، وقال الكسائي أيضا والفراء في الفرق بينهما: إن الكره (بالضم) ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل عليه غيره، قهرا، وغصبا، ولهذا قال بعض أهل العربية: إن كرها (بفتح الكاف) لحن.
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٤]: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ،} وفي هاتين الايتين تنويه بشأن الأم، وأن حقها أعظم من حق الأب، وأنها تستحق من الطاعة، والإكرام، والخدمة، والاحترام أكثر مما يستحق الأب؛ وذلك لما قاسته من الالام بسبب الولد، ولما هي مجبولة عليه من الضعف الخلقي، والجسدي، والمعنوي، ولا سيما إذا بلغت من العمر عتيا، وقد لفت النبي صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلم إلى هذا، وذلك فيما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:«أمّك». قال: ثمّ من؟ قال:«أمّك». قال: ثمّ من؟ قال:
«أمّك». قال: ثمّ من؟ قال:«أبوك» رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-قال: أتى رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه! قال:«هل بقي من والديك أحد؟» قال: أمّي، قال:«قابل الله في برّها، فإذا فعلت ذلك؛ فأنت حاجّ، ومعتمر، ومجاهد». رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، وأبو يعلى. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جعل للأم ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وهو ما يفهم من الايتين الكريمتين، وما يذكر إلاّ أولو الألباب. وخذ هذه الطرفة:
فقد روى القالي في أماليه عن أبي عبيدة قال: جرى بين أبي الأسود الدؤلي وامرأته كلام في ابن لها منه، وأراد أخذه منها فصارا إلى زياد ابن أبيه، وهو والي البصرة، فقالت المرأة: أصلح الله الأمير هذا ابني كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام، حتى إذا استوى فصاله، وكملت خصاله، واستوعكت أوصاله، وأملت نفعه، ورجوت خيره، أراد أن يأخذه مني كرها، فآوني أيها الأمير، فقد رام قهري، وأراد قسري! فقال أبو الأسود: أصلحك الله! هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي؛ حتى يكمل عقله،