للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستحكم فتله. فقالت المرأة: أصلحك الله! حمله خفا، وحملته ثقلا، وضعه شهوة، ووضعته كرها. فقال زياد: اردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.

حجري فناءه: شبهت حجرها بفناء الدار لكونه مقر الطفل وملعبه، كما يلعب الصبيان بفناء الدار. أكلؤه: أحفظه. حملته قبل أن تحمله: يريد أنه كان نطفة في صلبه قبل أن تحملها في رحمها. وضعته: أي نطفة في رحمها قبل أن تضعه بالولادة. الأود: العوج. فتله: أراد استكمال قوته. استوعكت: اشتدت. آوني: قوّني وأعني عليه. خفا: خفيفا لا يستشعر به في صلبه، تعني: أنه وإن حمله، ووضعه، لكن شتان ما بين حمله، وحملها، ووضعه ووضعها! وهذا معلوم لدى كل عاقل.

{وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً:} الفصال: الفطام. هذا؛ وقد استدلّ بهذه الاية مع التي في سورة (لقمان) رقم [١٤]: {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي، وصحيح. روى محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد الله الجهني، قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة، فولدت لتمام ستة أشهر من زواجها، فانطلق زوجها إلى عثمان-رضي الله عنه-، فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها؛ بكت أختها، فقالت: ما يبكيك؟ فو الله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيّ ما شاء، فلما أتي بها عثمان-رضي الله عنه-؛ أمر برجمها، فبلغ ذلك عليا-رضي الله عنه-فأتاه، فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت تماما لستة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال له علي-رضي الله عنه-: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: أما سمعت الله-عزّ وجلّ-يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقال في سورة (البقرة) رقم [٢٣٣]: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} وقال في سورة (لقمان):

{وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، قال: فقال عثمان-رضي الله عنه-: والله ما فطنت بهذا! عليّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها. قال: فقال معمر-رضي الله عنه-: فو الله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه، فلما رآه أبوه؛ قال: ابني والله لا أشك فيه! قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الاكلة، فما زالت تأكله؛ حتى مات. أخرجه ابن أبي حاتم. انتهى. مختصر ابن كثير.

هذا؛ وقوله (فوجدوها قد فرغ منها) يفيد: أنها أقيم عليها حد الرجم، وانتهى أمرها. وذكر القرطبي-رحمه الله تعالى-: أنّ عثمان-رضي الله عنه-رجع عن قوله، ولم يحدها. والمروي في موطأ مالك: أنها رجمت، وفي تيسير الوصول، فأمر عثمان بردها، فوجدت قد رجمت.

وهذا هو المعتمد. هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر؛ كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين؛ لأنّ الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} هذا؛ وأصل الكلام: وأمد حمله، وفصاله ثلاثون شهرا. ولا يصح المعنى إلاّ بهذا التقدير.

<<  <  ج: ص:  >  >>