{حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي: قوي، وشب، وارتجل. هذا؛ واختلف في (الأشد) على أقوال كثيرة، والأرجح: أنه ثلاث وثلاثون سنة، كما ذكرته في شأن يوسف، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً:} المراد به: الصديق-رضي الله عنه-على المعتمد.
{قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي: ألهمني ووفقني. {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ} أي:
بالإيمان، والهداية، والتوفيق للعمل الصالح، وهو ما ذكره بقوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ:}
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: فأجابه الله، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله، منهم:
بلال، وعامر بن فهيرة، ولم يدع شيئا من الخير إلاّ أعانه الله عليه. وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟». قال أبو بكر: أنا.
قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟».
قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما اجتمعن في امرئ إلاّ دخل الجنّة». انتهى.
{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أي: واجعل لي الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم. وقد حقّق الله له ذلك، فلم يبق له ولد، ولا والد، ولا والدة إلاّ آمنوا بالله وحده، ولم يجتمع ذلك لغيره من الصحابة كما قدمته آنفا. هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (النمل) رقم [١٩] فهو مثله. {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ:} عما لا ترضاه، أو يشغل عنك. {وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ:} الموحدين لك المخلصين.
وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة، والإنابة إلى الله عزّ وجل، ويعزم عليها.
وقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد: «اللهمّ ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السّلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها، وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرّيّاتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك، قابليها، وأتممها علينا». انتهى. مختصر ابن كثير.
هذا؛ و «أصلح» في الاية الكريمة متعد، وإنما جاء لازما لتضمنه معنى: بارك لي في ذريتي، ومنه قول ذي الرمة-وهو الشاهد رقم [٩٢٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -. [الطويل] وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها... إلى الضّيف يجرح في عراقيبها نصلي
فإن الفعل: «يجرح» متعد، وقد جاء لازما؛ لأنه بمعنى يفسد. هذا؛ وقال مالك بن مغول:
اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن معرّف، فقال: استعن عليه بهذه الاية، وتلا {رَبِّ أَوْزِعْنِي..}. إلخ.
الإعراب: {وَوَصَّيْنَا:} الواو: حرف استئناف. (وصينا): فعل، وفاعل. {الْإِنْسانَ:} مفعول به. {بِوالِدَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل: (وصينا). {إِحْساناً:} مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: وصينا الإنسان أن يحسن إليهما إحسانا. وقيل: بل هو مفعول به على تضمين