القول الرابع: المراد بالكرسيّ: الملك، والسّلطان، والقدرة؛ لأنّ الكرسيّ موضع السلطان، والملك، فلا يبعد أن يكنى عن الملك بالكرسيّ على سبيل المجاز. انتهى. خازن.
هذا وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«ما السّماوات السّبع في الكرسيّ إلاّ كدراهم سبعة ألقيت في ترس»، وروى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذرّ-رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله! أيّ ما أنزل الله عليك أعظم؟ قال:«آية الكرسي». ثمّ قال:«يا أبا ذرّ ما السّماوات السبع مع الكرسيّ إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة». أخرجه البيهقيّ، وغيره، وذكر: أنّه صحيح، وهذا من الأمور المغيّبة، التي يجب على المسلم الإيمان بها، والتّسليم بحقائقها، ولا مجال للعقل فيها، والسّؤال عن ذلك ب «كيف» ونحوها يحدث بلبلة في عقله، واضطرابا في إيمانه.
{وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما:} ولا يثقل عليه، ولا يصعب حفظهما، {وَهُوَ الْعَلِيُّ:} المتعالي عن الصفات التي لا تليق به. {الْعَظِيمُ:} بمعنى عظيم القدر، والخطر، والشرف، وقيل: هو بمعنى المعظم، وأنكره بعضهم، فقالوا: لو كان بمعنى معظم؛ لوجب أن لا يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق، وبعد فنائهم؛ إذ لا معظّم له حينئذ.
قال الزّمخشري في كشافه: فإن قلت: لم فضّلت هذه الآية؛ حتى ورد فيها ما ورد، منه قوله صلّى الله عليه وسلّم:«ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما، ولا يدخلها ساحر، ولا ساحرة أربعين ليلة، يا عليّ علّمها ولدك، وأهلك، وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها».
وعن عليّ-رضي الله عنه-: سمعت نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم على أعواد هذا المنبر، وهو يقول:«من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنّة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلاّ صدّيق، أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه، أمّنه الله على نفسه، وجاره، وجار جاره، والأبيات حوله».
وتذاكر الصّحابة-رضوان الله عليهم-أفضل ما في القرآن، فقال لهم عليّ كرّم الله وجهه: أين أنتم من آية الكرسيّ؟! ثم قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ! سيّد البشر آدم، وسيد العرب محمّد، ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيّد الرّوم صهيب، وسيّد الحبشة بلال، وسيّد الجبال الطّور، وسيّد الأيام الجمعة، وسيّد الكلام القرآن، وسيّد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسيّ».
قلت: كما فضلت سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله تعالى، وتعظيمه؛ وتمجيده، وصفاته العظمى، ولا مذكور أعظم من ربّ العزة، فما كان ذكرا له، كان أفضل من سائر الأذكار، وبهذا يعلم: أن شرف العلوم، وأعلاها عند الله منزلة علم أهل العدل، والتوحيد، ولا يغرنّك عنه كثرة أعدائه، قال الشاعر:[البسيط]