للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جرير من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك: [الوافر] فريشي منكم وهواي معكم... وإن كانت زيارتكم لماما

{إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لمن فعل ذلك لمن تاب، وأناب. وروي عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال: لا كبيرة في الإسلام؛ أي: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. والمعنى: أن الكبيرة تمحى بالاستغفار، والتوبة، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار عليها. وقيل في حد الإصرار: هو أن يتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالاته بذنبه. وخذ ما يلي.

عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم ومحقّرات الذّنوب، فإنّهنّ يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب لهنّ مثلا، كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود؛ حتى جمعوا سوادا، وأجّجوا نارا، وأنضجوا ما قذفوا فيها». رواه الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي. وفي رواية: «إنّ الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام في أرض العرب، ولكنّه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقّرات، وهي الموبقات يوم القيامة». وعن عائشة-رضي الله عنها-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا عائشة! إياك ومحقّرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا».

رواه النسائي، وابن ماجه، وانظر آخر سورة (الزلزلة).

{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} أي: أعلم بأحوالكم منكم. {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} أي: حين أنشأ أباكم آدم من الأرض، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر، ثم قسمهم فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} أي: وقت كنتم في بطون أمهاتكم؛ حيث كتب الملك الموكل بكل واحد منكم رزقه، وأجله، وعمله، وشقي، أو سعيد. هذا؛ و {أَجِنَّةٌ} جمع: جنين، وهو الولد ما دام في بطن أمه، سمي جنينا؛ لاجتنانه، واستتاره، قال عمرو بن كلثوم التغلبي من معلقته رقم [١٧]: [الوافر] ذراعي حرّة أدماء بكر... هجان اللّون لم تقرأ جنينا

{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ:} فلا تثنوا عليها بصلاح العمل، وزيادة الخير، فإنه أبعد من الرياء، وأقرب إلى الخشوع. وقال الحسن: علم الله من كل نفس ما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة، {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ:} فلا تبرئوها من الاثام، ولا تمدحوها بحسن الأعمال، وقد ذم الله اليهود الذين كانوا يزكون أنفسهم، ورد عليهم بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} الاية رقم [٤٩] من سورة (النساء)، فقد نزلت الاية الكريمة في ناس كانوا يعملون أعمالا حسنة، ثم يقولون: صلاتنا، وصيامنا، وحجنا. وهذا النهي إذا كان على سبيل

<<  <  ج: ص:  >  >>