للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدرية، وما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعمر-رضي الله عنه-في ابن صياد: «إن يكنه؛ فلن تسلّط عليه، وإن لا يكنه؛ فلا خير لك في قتله» يثبت: أن ما قدره الله نافذ لا مرد له، ولا محيص عنه.

وعن حذيفة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر. من مات منهم؛ فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم؛ فلا تعودوه، وهم من شيعة الدّجّال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدّجّال». أخرجه أبو داود. وله عن أبي هريرة-رضي الله عنه-مثله، وزاد: «فلا تجالسوهم، ولا تفاتحوهم في الكلام».

وروى ابن الجوزي في تفسيره عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

قال: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة؛ أمر مناديا، فينادي نداء يسمعه الأولون، والاخرون:

أين خصماء الله؟ فتقوم القدريّة، فيأمر بهم إلى النار: يقول الله: {ذُوقُوا مَسَّ..}. إلخ» قال ابن الجوزي: وإنما قيل: خصماء الله؛ لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد، ثم يعذبه عليها. وروي عن الحسن-رحمه الله تعالى-، قال: والله لو أن قدريّا صام؛ حتى يصير كالحبل، وصلى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلما؛ حتى يذبح بين الركن، والمقام؛ لكبّه الله على وجهه في سقر، ثم قيل له: ذق مس سقر، إنا كل شيء خلقناه بقدر.

قال الشيخ محيي الدين النووي-رحمه الله تعالى-: اعلم: أن مذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه: أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه، وتعالى: أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه، وتعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها الله تعالى.

وأنكرت القدرية هذا، وزعمت: أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها، ولم يتقدم علمه بها، وأنها مستأنفة العلم؛ أي: إنما يعلمها الله عز وجل بعد وقوعها، وكذبوا على الله سبحانه، وتعالى عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا. وسميت هذه الفرقة قدرية، لإنكارها القدر. انتهى. خازن.

وفي صحيح مسلم: أن ابن عمر تبرأ منهم، ولا يتبرأ إلا من كافر، ثم أكد هذا بقوله:

والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه؛ ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. وهذا مثل قوله تعالى في المنافقين: {وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ} رقم [٥٤] من سورة (التوبة)، وهذا واضح. وقال أبو هريرة-رضي الله عنه-قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن». انتهى. قرطبي. وأخيرا أقول: ما أكثر الذين يقولون في هذه الأيام: إذا كان قدر الله علينا المعاصي، والذنوب؛ فكيف يعذبنا؟! فهؤلاء خصماء الله في هذه الأيام، انظر ما ذكرته آنفا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْمُجْرِمِينَ:} اسم {إِنَّ} منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {فِي ضَلالٍ:} متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مستأنفة، أو مبتدأة، لا محل لها على

<<  <  ج: ص:  >  >>