بالحفظ الرباني، حتى يحصيه، ولا ينسى منه شيئا، وهو بين لمّتين، لمة من الملك، ولمة من الشيطان، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، خرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-. وقد مضى في الاية رقم [٢٦٦] من سورة (البقرة) وهو محل الخطرات، والوساوس، ومكان الكفر، والإيمان، وموضع الإصرار، والإنابة، وموضع الانزعاج، والطمأنينة، ولا يجتمع في القلب الضدان. قال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٤]: {ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة، أو مجاز.
هذا؛ و {أُوتُوا} أصله: «أوتيوا» فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان: الياء، والواو، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، فصار:«أوتوا» ثم قلبت الكسرة ضمة لمناسبة الواو.
خاتمة: قسوة القلب سبب في شقاء الفرد، وشقاء المجتمع، وسبب في إهمال واجبات الله، وارتكاب المعاصي، والسيئات. فإن قلت: ما هي أسباب قسوة القلب؟ فها أنذا أذكر بعضها على سبيل الاختصار، فأقول؛ وبالله التوفيق: منها: أكل الحرام. ومنها: إتباع الهوى، والانقياد للشيطان الرجيم. ومنها: كثرة الشغف بالمجادلة، والمخاصمة بالباطل. ومنها: الغفلة عن ذكر الله تعالى، وعدم مراقبته في السر، والعلن. ومنها: إهمال واجبات الله تعالى، كالصلاة، وغيرها. ومنها: الانغماس في الشهوات، والملذات، والإغراق في الترف، والنعيم، وكثرة الأكل، والشرب. قال بعض العلماء: من كثر أكله؛ كثر شربه، ومن كثر شربه؛ كثر نومه؛ ومن كثر نومه؛ كثر تخمه، ومن كثر تخمه؛ قسا قلبه، ومن قسا قلبه؛ غرق في الاثام، ومن غرق في الاثام؛ فالنار أولى به! ورحم الله من يقول:[الطويل] يميت الطعام القلب إن زاد كثرة... كزرع إذا بالماء قد زاد سقيه
وإنّ لبيبا يرتضي نقص عقله... بأكل لقيمات لقد ضلّ سعيه
تنبيه: دواء قسوة القلب: الإكثار من التقوى، والإخلاص في العبادة، والتهجد في الليل، وقراءة القرآن، وتدبر معانيه، ومجالسة أهل الخير، والتقوى، والصلاح، والإقلال من الطعام، والشراب، ورحم الله من يقول:[البسيط] دواء قلبك خمس عند قسوته... فدم عليها تفز بالخير والظفر
خلاء بطن وقرآن تدبّره... كذا تضرّع باك ساعة السّحر
كذا قيامك اللّيل أوسطه... وأن تجالس أهل الخير والخبر
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي».
أخرجه الترمذي. ورحم الله ابن المبارك؛ إذ يقول:[المتقارب]