بالضمير، الذي هو في محل جر بالإضافة. {وَأَحْصى:} الواو: حرف عطف. (أحصى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله). {كُلَّ:} مفعول به، و {كُلَّ} مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها. {عَدَداً:} تمييز، وقال الزمخشري، ومتابعوه: حال. هذا؛ وأجيز اعتباره مفعولا مطلقا؛ لأن أحصى بمعنى عدّ.
تنبيه: أذكر لك هنا الفرق بين الملائكة، والجن من تعريف علماء التوحيد للملائكة، والجن بما يلي: فالملائكة: أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل، والتمثل بأية صورة أرادوا، لا يأكلون، ولا يشربون، لا يبولون، ولا يتغوطون، لا ينامون، ولا يموتون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لا يتناسلون، ولا يتناكحون، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، لا يوصفون بذكورة، ولا بأنوثة، فمن وصفهم بذكورة فسق، ومن وصفهم بأنوثة كفر، ولهم قدرة خارقة، ولا تحكم عليهم الصورة، وهم كثيرون، لا يعلم عددهم إلا الله تعالى. قال تعالى في سورة (المدثر): {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ} يقومون بأعمال مختلفة، كل فيما وكل إليه من أعمال، ورؤساؤهم عشرة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، ورقيب، وعتيد، ومنكر، ونكير، ورضوان خازن الجنة، ومالك خازن النار، ويتشكلون بأشكال حسنة.
أما الجن؛ فهم أجسام نارية سفلية، مخلوقون من مارج من نار، أي: من أخلاط نار صافية، وأنهم قادرون على التشكل بأية صورة أرادوا، وفي الغالب يتشكلون بصور مخيفة، وأنهم يتناسلون، ولهم ذرية، وفيهم الذكر، والأنثى، وهم مكلفون كالبشر، وفيهم المؤمن والكافر، وأن الصورة تحكم عليهم. ومما تقدم يتبين لنا بوضوح أن بين خلق الملائكة، وبين خلق الجن تفاوتا واضحا، وتباينا ظاهرا في أصل الجبلة، والخلقة.
فالملائكة مخلوقون من نور، والجن مخلوقون من نار، يدل لذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم ممّا وصف لكم». رواه مسلم، وقال تعالى في سورة (الحجر) رقم [٢٧]: {وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ}.
والملائكة ليس لهم نسل ولا ذرية، بخلاف الجن، فإنهم يتناسلون ويتناكحون، ولهم نسل وذرية. قال تعالى في سورة (الكهف) رقم [٥٠]: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} فالملائكة يخلقهم الله خلقا جديدا مبتدأ؛ لأنه ليس فيهم ذكر، أو أنثى، حتى يحصل التناسل، أما الجن؛ ففيهم الذكر، والأنثى، ويقع بينهم التناكح والتناسل، كما هو الحال بين البشر.
والملائكة قادرون على التمثل بأمثال الأشياء، والتشكل بالأشكال الجسمانية، المحسوسة فقد ثبت ذلك في النصوص العديدة من الكتاب والسنة. قال تعالى عن جبريل عليه السّلام: