{فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا} وقال تعالى عن ضيوف إبراهيم من الملائكة الأبرار:
{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ..}. إلخ. الآيات من سورة (الذاريات) فقد دخلوا عليه في صورة رجال، وحين قدم لهم الطعام امتنعوا عن الأكل، فأوجس منهم خيفة، فأخبروه: أنهم ليسوا بشرا، وإنما هم ملائكة أرسلهم الله لإهلاك المكذبين من قوم لوط.
وحين قدم الملائكة على نبي الله لوط عليه السّلام، جاؤوه على صورة شباب مرد حسان، مما جعل السفهاء يطمعون بفعل الفاحشة بهم؛ حيث جاؤوا يتسابقون إلى دار لوط، عليه السّلام.
كما قال تعالى:{وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ..}. إلخ الآيات رقم [٧٨] وما بعدها من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
فالملائكة إذا قادرون على التصور، والتشكل بأية صورة شاؤوا، وقد ثبت في الصحيحين عن عمر-رضي الله عنه-أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثوب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعن الساعة، فأجابه الرسول عنها بالتفصيل، وأخيرا سأل الصحابة:«أتدرون من السّائل؟». قالوا: الله، ورسوله أعلم! قال:«فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم».
والجن أيضا قادرون على التمثل، والتشكل بأية صورة شاؤوا، فقد اجتمعوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صورة نفر من الرجال، وسمعوا القرآن، ثم رجعوا إلى قومهم منذرين، كما قال تعالى في سورة (الأحقاف) رقم [٢٩]: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}. فهم يشبهون الملائكة من هذه الناحية، وهي قدرة التمثل، والتشكل بأي صورة شاؤوا، ولكنهم يختلفون عن الملائكة في أنهم تحكم عليهم الصورة، بينما الملائكة لا تحكم عليهم الصورة، بمعنى: أن الجني لو تصور وتشكل في صورة إنسان، أو طير، وصوب إنسان سهما نحوه، فإن الجني يموت، كما لو قتله إنسان بسيف، أو رمح، فيجري عليه حكم الصورة، بخلاف الملك إذا ما سدد إنسان سهما نحوه، أو جني عليه بجناية، فلا يناله شيء من الأذى فيما لو تشكل بصورة إنسان، أو غيره. ثم إن الملائكة يختلفون عن الجن في أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، وليس فيهم نزوع إلى البشر، وليس عندهم استعداد للمعصية، بل خلقوا على الاستقامة، وجبلوا على العبادة، والطاعة، كما قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٢٠]: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ،} وأما الجن؛ ففيهم المؤمن، والكافر، والبر، والفاجر، فهم كالبشر في هذه الناحية، كما قال تعالى عن إبليس في سورة (الكهف) رقم [٥٠]: {كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. وما ذكر في هذه السورة رقم [١٤] يدل كذلك على أن فيهم المسلم، والكافر. وهم مكلفون بالتكاليف الشرعية كسائر البشر. قال تعالى في سورة (الذاريات): {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}.