للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمهور على: أن المراد دراسة القرآن، وحفظه حتى لا يتعرض للنسيان، وعليه الشافعي -رحمه الله تعالى-؛ لذا أوجب قراءة الفاتحة في كل ركعة على الإمام، والمقتدي، والمنفرد في صلاته، واستدل بحديث عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». أخرجه البخاري، ومسلم. وانظر تفصيل ذلك في الآية رقم [٢٠٤] من سورة (الأعراف) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى:} والمريض يضعف عن التهجد بالليل، فخفف الله عز وجل عنه لأجل ضعفه، وعجزه عنه، فخفف عنكم رحمة بكم. {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} أي: يسافرون في الأرض للتجارة، وطلب الرزق. {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} أي: يطلبون من فضل الله الرزق.

{وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} يعني: الغزاة المجاهدين، وذلك؛ لأن المجاهد، والمسافر مشتغل بالنهار بالأعمال الشاقة، فلو لم ينم بالليل؛ لتوالت عليه أسباب المشقة، فخفف الله عنهم أجمعين.

فأنت ترى: أن الله جلت قدرته، وتعالت حكمته سوى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه، وعياله، والإحسان، والإفضال على يتيم، أو أرملة، أو فقير بائس، فكان هذا دليلا واضحا على أن الكسب من مال حلال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله. فقد روى إبراهيم عن علقمة؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد، فيبيعه بسعر يومه، إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء، ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ..}. إلخ». وقال ابن عمر-رضي الله عنهما-:

ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إليّ من الموت بين شعبتي رحلي، أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض. انتهى. قرطبي، وخذ ما يلي:

فعن كعب بن عجرة-رضي الله عنه-قال: مرّ على النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل، فرأى أصحابه من جلده، ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء، ومفاخرة؛ فهو في سبيل الشيطان». رواه الطبراني. وأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الترغيب في العمل كثيرة مشهورة مسطورة، والشعر العربي طافح بذلك، وخذ قول صالح بن عبد القدوس في الحكم: [الكامل]

وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة... وخشيت فيها أن يضيق المكسب

فارحل فأرض الله واسعة الفضا... طولا وعرضا شرقها والمغرب

وعن بعض السلف أنه كان بواسط، فجهز سفينة حنطة إلى البصرة، وكتب إلى وكيله: بع الطعام يوم تدخل البصرة، ولا تؤخره إلى غد، فوافق سعة في السعر، فقال التجار للوكيل: إن

<<  <  ج: ص:  >  >>