للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آليت لا أنساكم فاعلموا... حتّى يردّ الناس في الحافره

{أَإِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً} أي: بالية متفتتة، يقال: نخر العظم (بكسر الخاء) أي: بلي، وتفتت. وقرئ: «(ناخرة)». وفي الصحاح: والناخر من العظام؛ الذي تدخل الريح فيه، ثم تخرج منه، ولها نخير. وقيل: هما لغتان بمعنى، تقول العرب: نخر الشيء، فهو نخر، وناخر، كقولهم: طمع، فهو طمع، وطامع، وحذر، وحاذر، وبخل وباخل، وفره، وفاره.

قال الشاعر: [الطويل]

يظلّ بها الشّيخ الّذي كان بادنا... يدبّ على عوج له نخرات

وقد قرئ: {أَإِنّا} {أَإِذا} بقراءات كثيرة، فجملتها تسعة، وكلها سبعية. وقولهم هذا تعجب منهم، واستبعاد للبعث بعد الموت، وفناء الجسد، وقد تكرر في القرآن الكريم ذكر ذلك عنهم، وشاعرهم هو الذي يقول: [الوافر]

ألا من بلّغ الرحمن عنّي... بأنّي تارك شهر الصّيام؟

أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا... وكيف حياة أصداء وهام؟

أتترك أن تردّ الموت عني... وتحييني إذا بليت عظامي؟

فهو يقصد بابن كبشة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأبو كبشة كنية زوج حليمة السعدية مرضعته صلّى الله عليه وسلّم، فقد كانوا يطلقون عليه ذلك تحقيرا له صلّى الله عليه وسلّم، ولكنهم لم يتأملوا: أنهم كانوا قبل ذلك ترابا، فخلقهم الله، وأظهرهم إلى الوجود، وهم ظنوا: أن البعث، والإعادة يكونان في الدنيا، وهم لم يروا أحدا رجع إلى الدنيا ممّن تقدمهم.

{قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} أي: رجعة ذات خسران، أو خاسر أصحابها، فهو من الإسناد المجازي، والمعنى: إنها إن صحت، وبعثنا-كما يقول محمد صلّى الله عليه وسلّم-فنحن خاسرون إذا لتكذيبنا بها! وهذا استهزاء منهم. هذا؛ والكرة في الأصل مصدر، يقال: كر، يكر، كرا، وكرة، والكر، والكرة: الرجوع، والرجعة. والمراد به هنا: المرة من ذلك، وهو مصدر لا يثنى، ولا يجمع. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٦]: {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}. وأما تثنيته في سورة (الملك) رقم [٤] وذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ..}. إلخ.

فليس على حقيقته، بل المراد منه التكثير، بدليل ما بعده.

{فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ:} قال في الكشاف: فإن قلت: بم تعلق قوله: (فإنما هي...) إلخ قلت: بمحذوف معناه: لا تستصعبوها، فإنما هي زجرة واحدة. يعني: لا تحسبوا تلك الكرّة صعبة على الله عز وجل، فإنها سهلة هينة في قدرته، ما هي إلا صيحة واحدة. يريد: النفخة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>