أستغفر الله ذنبا لست محصيه... ربّ العباد إليه الوجه والعمل
ومثال «أمر» وقد نصب مفعولين صريحين قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي-رضي الله عنه- -وهو الشاهد رقم [٤٨٥]: من كتابنا: «فتح رب البرية»، والشاهد رقم [٥٩٧]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: إعراب شواهد مغني اللبيب-: [البسيط]
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وتقول: نصحتك، ونصحت له، وشكرتك، وشكرت لك.
هذا؛ والأمر من: أمر مر، وأصله: اؤمر، لكن لم يستعمل على الأصل، وحذفت الهمزتان تخفيفا لاجتماع الضمات، وهذا الحذف واقع في الأمر المأخوذ من: أخذ، وأكل أيضا، فيقال: خذ، وكل، وقد قالوا: اؤمر، واؤخذ، فاستعملا على الأصل، ومنه (اؤمر) في الآية رقم [١٩٩] من سورة (الأعراف)، ورقم [١٣٢]: من سورة (طه)، ورقم [١٧] من سورة (لقمان).
تنبيه: قال الشيخ أبو منصور-رحمه الله تعالى-: القضاء يحتمل الحكم، كقوله تعالى:
{لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} أي: ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده، وما أراد كونه؛ فهو مفعول لا محالة. انتهى. والماضي: قضى، والمصدر «قضاء» بالمد؛ لأن لام الفعل ياء؛ إذ أصل ماضيه (قضي). بفتح الياء، فقلبت ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة، فصار: قضاء ممدودا، وجمع القضاء:
أقضية كعطاء، وأعطية، وهو في الأصل: إحكام الشيء، وإمضاؤه، والفراغ منه، كما في قول الشاعر-وهو الشاهد رقم [١٧٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الخفيف]
وجهك البدر لا بل الشّمس لو لم... يقض للشّمس كسفة أو أفول
ويكون بمعنى الأمر، كما في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}.
وبمعنى العلم، تقول: قضيت بكذا؛ أي: أعلمتك به. وبمعنى الإتمام، قال تعالى: {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ}. وبمعنى الفعل، قال تعالى حكاية عن قول السحرة لفرعون: {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ}.
وبمعنى الإرادة، وهو كثير، كقوله تعالى: {فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وبمعنى الموت كقوله تعالى حكاية عن قول أهل النار: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ}. وانظر معنى الآية التي نحن بصدد شرحها. وبمعنى الكتابة، قال تعالى: {وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} أي: مكتوبا في اللوح المحفوظ. وبمعنى الفصل، قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}. وبمعنى الخلق، كما في قوله تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}. وبمعنى بلوغ المراد، والأرب.
قال تعالى: {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها}. وبمعنى وفاء الدين، تقول: قضى فلان ما عليه: إذا أوفى ذمته، وأبرأها مما عليه من ديون. انتهى. قسطلاني شرح البخاري بتصرف.
وأضيف: أنه يكون بمعنى أوحينا، كما في قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ} إلخ.